| وائل العدس
قدّم للثقافة أدباً متنوعاً، منها تلك التي تدافع عن عدالة القضايا العربية، ولاسيما القضية الفلسطينية.
أكمل عامه التسعين ورحل بعد حياة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي والاجتماعي والأدبي الزاخر لما يقرب من سبعين عاماً، حيث نعى اتحاد الكتّاب العرب في سورية المفكر النهضوي حليم بركات.
كما نعاه صندوق القدس للتربية والتعليم وتنمية المجتمع (منظمة أميركية غير حكومية)، مشيراً إلى أنه كان عضواً في لجنة مركز فلسطين، ومنوهاً بأدواره المهنية المميزة التي أثرت علم الاجتماع والأدب العربي.
وقال رئيس اتحاد الكتّاب العرب إن الراحل قدّم أبحاثاً ودراسات اجتماعية وثقافية تتناول المجتمع المعاصر وأنماط معيشته ومحاولة دعم بناء الأسرة والمجتمع والعمل ثقافياً على وحدة العرب، إضافة إلى التوجهات التي تتجاذب العرب بين التقليد والحداثة والغرب والشرق والماضي والمستقبل والانتماء إلى الجماعة والانتماء إلى الأمة.
من الكفرون إلى الاغتراب
كان أستاذاً وباحثاً في أهم جامعات الولايات المتحدة، وكان من أبرز الوجوه الثقافية الاغترابية العربية التي تركت صداقات وكتابات وأبحاثاً وبصمات في الوطن والمهجر، ونجح في الجمع بين الروح العلمية الدقيقة والعقل الانفتاحي.
ولد الراحل عام 1933 في بلدة الكفرون الوادعة في مدينة طرطوس، وتوفي والده عندما كان بسن العاشرة فانتقلت عائلته للعيش في بيروت حيث نشأ، عملت أمه في البيوت لتعيل العائلة وتعلم أبناءها.
حصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير في علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت ثم دكتوراه في علم النفس الاجتماعي من جامعة ميشغان في الولايات المتحدة.
هو روائي وعالم اجتماع وأستاذ جامعي قام بالتدريس في الجامعة الأميركية في بيروت من عام 1966 وحتى عام 1971، ثم عمل زميلاً باحثاً في جامعة هارفارد من 1972 إلى عام 1973، ودرّس في جامعة تكساس عامي 1975-1976، ومن عام 1976 حتى عام 2002 كان أستاذاً لتدريس البحوث في مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة «جورج تاون».
شعرية واضحة
في نصوصه يسرد ويتذكر الشخصي والعام ويحلل ويحاكم النفس والآخرين ويتنقل بين الماضي والحاضر والمستقبل بنص هو نسيج من الروائي رغم واقعية معظمه.
ومن نظرة عالم الاجتماع، كثير مما يورده يشبه الدراسات الاجتماعية والمحلل الفكري والسياسي لكنه دائماً يروي بشعرية واضحة عما بدا في مجمله فردوساً مفقوداً رغم كثير من الآلام الماضية.
كما مضى في تقديم تحليل اجتماعي نظري منهجي للمجتمع العربي يربط البحث العلمي بقضايا التحول الاجتماعي والثقافي والسياسي، ويدرس الظواهر والوقائع في سياقاتها الاجتماعية والتاريخية، مركّزاً على التناقضات والصراع، والنظر في تداخل البنى والمؤسسات الاجتماعية.
علاقة الرجل والمرأة
ركّز بركات جهده لتحليل علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة الكبار بالصغار، ورأى فيها علاقة هرمية؛ لأن العلاقات ليست أفقية متساوية بل هرمية تتضمن تفاوتاً كبيراً في السلطة، ولكن رغم ذلك تجد أن المرأة أحياناً، تملك سلطة أكثر مما نتصور، وهذه السلطة تأتي من طبيعة الوظائف التي تقوم بها أو من حيث إنها تشعر بمسؤوليتها عن العائلة أكثر من الرجل.
ويعتقد بركات أن تحرير المرأة يبدأ بحصول تحول في المجتمع، فمثلاً نجد أن المجتمع قد تطور وأصبح يتطلب أن تشارك المرأة في الحياة العامة، فتجاوز دورها نطاق العائلة انسجاماً مع هذا التطور الذي أصبح المجتمع بموجبه بحاجة لأن تلعب المرأة دورها، وهو لم يفعل ذلك بسبب الضغط، إنما بسبب الوظائف الجديدة التي توافرت. ومن هذه الناحية، اكتسبت المرأة قوة معنوية، ولكن أيضاً بنشوء الوعي في الكتابات التحليلية ظهر أن المرأة تاريخياً في الثقافة العربية كانت معزولة ومضطهدة إلى حد بعيد، والقوانين القائمة إن كانت مستمدة من الحياة العائلية القبلية أم من الدين والمؤسسات الدينية، كانت تعطي للرجل هذه الأولوية والهالة وتحجب الاعتراف بها علناً.
ويرى بركات أن ثمة تحولاً حدث في البنى الاجتماعية أدى لأن تلعب المرأة دورها، كما حدث وعي جديد ليس فقط بسبب التعامل مع الخارج، بل بالتحول الذي بدأ يظهر في المجتمع، وهناك تفسير اجتماعي وهناك تفسير نفسي سيكولوجي، في كل الأحوال.
أهم أعماله
كتب بركات ما يقرب من عشرين كتاباً وخمسين مقالاً عن المجتمع والثقافة في مجلات مثل «المجلة البريطانية لعلم الاجتماع» و»مجلة الشرق الأوسط» و»مجلة المواقف» و»ومجلة المستقبل العربي».
كما أصدر سبع روايات ومجموعة قصصية غنية بالرمزية، ومن أهم رواياته: «القمم الخضراء» عام 1956، «الصمت والمطر» عام 1958، «ستة أيام» عام 1961، «عودة الطائر إلى البحر» عام 1969، «الرحيل بين السهم والوتر» عام 1979، «طائر الحوم» عام 1988، «إنانة والنهر» عام 1995، و»المدينة الملونة» عام 2006.
ومن كتبه التي تضمنت دراساته: «المجتمع العربي المعاصر» عام 1984، «حرب الخليج» عام 1992، «المجتمع العربي في القرن العشرين» عام 1999، «الهوية أزمة الحداثة والوعي التقليدي» عام 2004، و»الاغتراب في الثقافة العربية» عام 2006.
سيرياهوم نيوز1-الوطن