|أمينة عباس
بعد توقيعها في مكتبة الأسد، ما زال كتّاب رواية “القطار الأزرق” السبعة يحتفلون بأول رواية تشاركيّة عربيّة يُشارك فيها سبعة كتّاب، وهي اليوم بصدد أن تُدرَج في موسوعة غينيس للأرقام القياسيّة كأول رواية عربيّة تشاركيّة، أما على صعيد المضمون والشّكل الفني فقد احتفى المشاركون في الندوة التي أقيمت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة بهذه الرواية بعيداً عن النقد بحضور كتّابها.
اختصرت الزمان والمكان
لم تُخفِ د. آداب عبد الهادي إعجابها الشّديد بهذه الرواية وبالطريقة التي تمّ إنجازها، وبدا واضحاً من كلامها المطوّل وسردها للعديد من مقاطع الرواية والحوارات التي دارت بين شخصيّاتها شدّة تأثرها بها، وهي التي تتناول حكاية حلم حلم به كتّابها المحترفون الذين خبروا الكتابة، ورأت أنهم اختاروا اللون الأزرق لقطارهم لأنه لون السماء والبحر والمدى ولون الحلم والخيال والرّوح، فكان لون الرواية وشخوصها وأحداثها وجغرافيّتها، مؤكدة أنها رواية جريئة اعتمد كتّابها خطّة في منتهى الجرأة والشجاعة، وهي ككاتبة روائية ليست قادرة على اتّخاذ مثل هذه الخطوة، لذلك تستغرب كيف أقدم هؤلاء الكتّاب على إنجاز مثل هذه الرواية، خاصّةً وأنهم أطلقوا على شخوص الرواية أسماءهم الحقيقيّة مع صنعتهم ومواصفاتهم الشكليّة، موضحة أن منح الكتّاب أسماءهم لشخوصهم مسؤولية كبيرة لأن الشخصية الروائيّة حلم اخترعه الكتّاب وليست شخصياتهم الحقيقية، لكنّ أسماءهم الحقيقيّة وصنعتهم موجودة في الرواية، وهذا قد يُحدث التباساً لدى القارئ فيُسقط على الكاتب مواصفات الشخصية، مبينة أن الرواية تتّسم بالخفّة والظرافة واللطافة، ففي كل صفحة من صفحاتها هناك دمعة وابتسامة وعبرة، وهي لا تقلّ في مستواها عن الروايات العالمية لأنها اختصرت الزمان والمكان بطريقة مدهشة، ومن لم يقرأها خسر الكثير، وأهم ما توقّفت عنده د. عبد الهادي بكثير من الإعجاب أن الشكل النهائي للرواية يوحي بأن هناك كاتباً واحداً قام بكتابتها وليس سبعة استطاعوا أن يوحّدوا العاطفة واللّغة والكلمة وجغرافية السرد، مؤكدة أنها حاولتْ أن تبحث عن تباين بين كاتب وآخر، ولكن لم تجد ذلك، حيث لم تستطع أن تميّز بين كلمة وكلمة، بل كان هناك شيء من التمازج والتماهي وهي قدرة لا يستطيع أن يقوم بها إلا المبدعون، وحين بحثت عن مآخذ للرواية لم تجد فيها سوى أن جميع الأبطال كان لهم اتّجاه واحد.
البعد الإيحائي
وبيَّن الناقد أحمد علي هلال أن “القطار الأزرق” بقصدية عنوانه وتطييفه إلى فضاء الدلالة وبعلامته اللغوية سيأخذنا إلى ذلك البعد الإيحائي كتقنية الجرافيك واللون والذي يعني فضاءً لمحكيات تتعدّد في نسيجها اللغوي حاملةً لأصواتٍ سبعة ستشكّل بتعددها غير بؤرة للرواية، وعليه فهويّة العنوان برأيه ستضمر مفتاحاً تأويلياً للقارئ ليعيد تركيب تلك الحكايات التي تنهض على سؤال شديد الضراوة وهو كيف ستنتهي الحرب؟ مشيراً إلى أن عنوان الرواية كاشف، وفي الوقت نفسه يحيل إلى شيء من الغموض الفني الذي يستدعي تخييلاً ضرورياً يخاتل المرجع الواقعي، حيث الأسماء الصريحة للكتّاب بسيرها وهويّتها ستحيلنا إلى شخصيات روائية بامتياز يقود محكياتها راوٍ كلّي، بفصول ثلاثة ووحدات سرديّة متسقة في بنائها ومشهدياتها، فتتوزع حكايات الشخصيات الروائية: مقبل الميلع، عماد نداف، محمد الحفري، محمد الطاهر، سهيل الذيب، فاتن ديركي وجمال الزعبي، لتكون محطة القطار المُنتظر بؤرة السرد بوصفها فضاءً مسرحياً بصرياً تؤدي الشخصيات فيه أدواراً مرسومةً بدقة متناهية لتبث أحلامها وهواجسها ومكابداتها بوصول القطار، فضلاً عمّا يستدخله الرواة من تخييل ضروري يغذي محكياتهم ليشكلوا خطاباً موحداً يعكس وحدة الأسلوب، لتصبح الرواية وبالمعنى النقدي ظاهرة متعدّدة الأسلوب واللسان والصوت، تنكسر فيها خصوصية المؤلف الفرد لتندغم تلك الأصوات في بنية نصية تجعل من الانتظار ثيمة وموضوعة قابلة لتطبيقها، متسائلاً: هل الرواية هي رواية المثقف؟ هل يُعقل أن يجتمع كتّاب أو صحفيّون مع محامين وينتظرون قطاراً لا يأتي؟ لماذا اختيرت شخصيات مثقفة لتذهب في حوارات دالة عن الحرب وانعكاساتها على النفوس؟ فيجيب: إن الشخصيات فيها أتت من فضاءاتها المحتملة لتعاضد التخييلي بالواقعي، وعليه فإن وظيفة هذه الشخصيات في السياق الروائي الكثيف ببرنامجه وتكتيكه السردي ستأخذنا إلى حكاية من حكاياتنا عن الحرب بوتيرة أحداث مشوقة وبحسّ سخرية مركبة، لتكون أسئلة الحرب وأسئلة الإبداع وجدلية الحب في الرواية محكيات، جوهرها الحلم الذي يعاند الحرب ليشتق منها أسئلة الحياة: “غاب القطار عن أنظارنا نحن عشّاق الحياة السبعة، وبدأنا نحلم بقطارٍ آخر ينقلنا إلى آمالنا، فهل سيأتي؟”، وبهذا تخلق الرواية برأيه حافزاً لطرائق التفكير حول سؤال النسيج المجتمعي حول الخلاص بما تؤسّسه بصرياً ومشهدياً وبالتعداد اللغوي الذي يعتمل في نسيج محكيات شخصياتها ببعد معرفي وجمالي يقوم على خطاب الطريقة، أي الاستدلال إثراءً لجدل وتعضيداً لشرط الفن.
مغامرة كبيرة
وأكّد الإعلامي والناقد عمر جمعة أن هذه الرواية من أجمل الهدايا التي تلقّاها عام 2021 وأكثر ما لفت انتباهه فيها أن الكتّاب السبعة لم يتركوا فجوة لا على المستوى الفكري ولا على المستوى اللغوي، ولا حتى في ترتيب الشخصيات وتوظيفها، وكانت لديهم قدرة على خلق ذُرى من المستغرب أن يتمّ التوصّل إليها برؤية سبعة كتّاب خاضوا مغامرة كبيرة بتوظيف أسمائهم الحقيقيّة، وهذا برأيه يحتاج إلى قلبٍ شجاع. وتوقف جمعة عند مأخذ وحيد في الرواية عندما بالغت إحدى الشخصيات التحدث بمفردات إنكليزية تُرجمت أسفل الصفحة، ورأى أن ذلك لم يكن مبرراً.
ليست طفرة عاطفية
وأشار الكاتب عماد نداف إلى أنه والكتّاب الآخرين عندما اتّفقوا على أن يكتبوا أحلامهم، وأن يقوم كل كاتب وفق رؤيته بالحديث عن هذا الحلم، كان هناك هاجس عند جميع الشخصيات والكتّاب، وهو هاجس كلّ سوري بالسؤال: “متى ستنتهي الحرب؟” وكان الجواب في آخر الرواية هو أن الحرب لم تنتهِ بعد وستدوم طويلاً، مبيناً أن حكايات الرواية جميلة وموجعة وتتناسل بنهايات غير متوقعة ينظّمها راوٍ واحد استطاع توحيد الأفكار، وهذا ما يميّز هذه الرواية في أنها استطاعت أن تقدّم أسلوباً واحداً عبر سبعة كتّاب، في حين أكد الكاتب محمد الطاهر أن الرواية ليست طفرة عاطفية، وما تناولته هو واقع نعيشه للحديث عن حال الثقافة والمثقّف في الحرب. وبيّنت الكاتبة فاتن ديركي أن المشاركة في كتابة هذه الرواية كانت تجربة جميلة جداً، وقد أرادت خوض التحدي مع زملائها الستة لترسيخ دور المرأة الإيجابي في المجتمع والحياة، فوجود امرأة واحدة بين ستة أدباء هو تحدّ كبير للمرأة السورية الأديبة وكذلك هو تحدّ للمرأة بشكل عام، إذ كان عليها أن تظهر قوة المرأة السورية في مواجهة الحرب ووقوفها إلى جانب الرجل ودورها الفعّال في إعادة بناء الوطن ومداواة جروحه بعزيمتها وإرادتها الصلبة وإثبات قدرتها على تجاوز المحن والأزمات.
(سيرياهوم نيوز3-البعث19-3-2022)