*وفاء العابور
غابرييل غارسيا ماركيز هو روائي عالمي مشهور صاحب الملحمة الروائية “مئة عام من العزلة”، بالإضافة للعديد من الأعمال الأدبية، إذ تعود أصول الكاتب غابيريل إلى كولومبيا، وقد ولد في قرية تقع شمال كولومبيا بتاريخ 6 مارس عام 1927م، وهو كاتب وصحفي وناشط في مجال الحقوق والسياسة، وقد حصل الكاتب في العام 1982م على جائزة نوبل للآداب، وذلك لأعماله الأدبية من روايات وقصص قصيرة، ومن أهم الروايات للكاتب “الحب في زمن الكوليرا”، ورواية “جنازة الأم الكبيرة”، ورواية “في ساعة نحس”، وله كم كبير من الاقتباسات والمقولات التي يتداولها المهتمون والقراء، فالكاتب منذ صغرة تأثر بنشاط والده السياسي، الأمر الذي منحه الوعي السياسي وأثر على كتاباته تأثيرًا مباشرًا؛ فهو كاتب يتمتع بخيال خصب، وله طريقة في ربط الأحداث تشد القارئ بطريقة ملفتة، بالإضافة لتأثرة بالقصص والروايات التي كان يسمعها من جدته كل ليلة، وفيها من الحكايات الشعبية والخرافة الشيء الكثير، فكانت جدته تتميز بالأسلوب التجريدي الذي تبناه الكاتب غابرييل في أغلب رواياته، وقد تعرض الكاتب لانتكاسة في عامه 23 في أول رواية كتبها ولم تنجح، ولكن النجاح كان حليفًا له بعد روايته الأشهر مئة عام من العزلة. تتميز الرواية التي حاز بسببها غابرييل جائزة نوبل للآداب برمزية وأحداث تُسرد بطريقة بديعة تُسمى عند الأدباء بالواقعية السحرية، فالرواية تبدأ بعرض أهم الشخصيات فيها، إذ يكون “خوسيه أركايو بوينديا” في قرية باسم “ماكوندو”، وقد أنشأها من اللا شي، وسرعان ما تطورت القرية وأصبحت تعج بالحياة، أما الزمن المختار للرواية فهو الوقت الذي كان فيه العالم حديث النشوء؛ فبعض الأشياء لم يكن لها مسميات، وكان يُشار إليها إشارة بدلًا من ذكر اسمها، وفي هذه الفترة يتعرف بطل الرواية على غجري يجلس في خيمة ومعه العديد من الغجر بالقرب من القرية، ومعه بضاعة يعرضها على أهل القرية، وكان هذا الأمر يستهوي “خوسيه” الذي كان يأتي في شهر مارس من كل عام، وتتوالى أحداث الرواية وينجب “خوسيه” أربعة من الأبناء، فتتعقد العلاقات والحياة في القرية كثيرًا بعد تقدم أولاده بالسن، وهنا يبزر مفهوم القيم في ظل العزلة التي تغير جميع المفاهيم. ثم ينجب الأبناء تسعة عشر حفيدًا، وتصبح شخصيات الرواية تتفرد في حياتها وأسلوبها وأهميتها، فالرواية تعالج واقع الأفراد كل على حدة، فكل منهم بطلًا لحالته الخاصة، فالبطولة في الرواية كانت جماعية، أما أم الأبناء في الرواية “أورسولا” فهي شخصية محورية فيها، وعدّها الكاتب عصبًا هامًا في الراوية كما هي في الحياة، إذ تبدو شخصيتها مميزة في الوسط الذكوري كما وضعها الكاتب فيه، ووتوالى الأحداث ليقرر “خوسية ” مؤسس هذه السلالة مغادرة القرية ومعه زوجته وأهله و20 شخصًا بحثًا عن عالم جديد، وبالتالي فهو حسب خيال الكاتب قد حكم عليهم بالعزلة بشقيها المادي والروحي، ويمر الزمن في الرواية فينشئ صراعًا بين أحد أبناء “خوسيه” الليبراليين والمحافظين، وأخيرًا تنتهي الرواية بهطول أمطار تستمر لما يقرب من الخمس سنوات دون انقطاع مع وجود الجدة زوجة خوسيه التي أصبح عمرها مئة عام، لتنتهي بهبوب رياح مشؤومة تقضي على القرية بأكملها.
*معلومات عن الرواية
تُرجمت الرواية لحوالي 46 لغة، وبيع منها ما لا يقل عن 50 مليون نسخة، وقد نسج الكاتب من مخيلته واقعًا لعائلة تعيش فيه مدة مئة عام، ويتعاقب عليها ستة أجيال في قرية من خيال الكاتب أيضًا، وفي نفس الوقت عرض الكاتب الواقع السياسي والاجتماعي لأمريكيا اللاتينية التي تنتمي بلده الأصلية “كولومبيا” لها، وأثبت الكاتب في الرواية واقعًا تاريخيًا يشبة إلى حد كبير واقع شعوب العالم الثالث، فأسلوب الكاتب كان جليًا في ربط الخيال بالواقع، ليشكل بذلك شخصيات وأماكن وأحداث لا يمكن للقارئ إلا أن يعدها حقيقية، والكاتب منذ صغره يقول “خُلقت لأروي”.
* نظرة تحليلية للرواية
جسد الكاتب في روايته مئة عام من العزلة أحداثًا وشخصيات خيالية، ولكنها في حقيقتها تشبه الأبطال، وكذلك تدور أحداثها وأزمنتها وأمكانها الوهمية بما يشبه الواقع، فهي تجمع بين الرواية الكلاسيكية وكتابة التاريخ كتابة غير رسمية، ويقدر المحللون والأدباء أن الكاتب بين في الرواية سيرته الذاتية ولكنها لم تُوقع منه رسميًا، وقد استمد الكاتب خياله في الرواية من أحداث وقصص وشخصيات حقيقية أو أسطورية، وبعض الكتب والمخطوطات القديمة التي كانت بحوزته تفسر التاريخ الحقيقي لأمريكيا اللاتينية من خلال تداخل الأحداث الواقعية بالأسطورية مع إضافة الجانب الكوميدي وكذلك المأساوي فيها، وأخيرًا كانت إرادة الكاتب من الرواية تتمثل بالخروج من العالم المنعزل بما فيه من خرافة وأوهام وتقاليد صعبة، إلى الانفتاح والعقلانية والتحرر
(سيرياهوم نيوز-حياتك3-3-2022)