آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » روح القطيع في مرآة الحكاية والواقع..!

روح القطيع في مرآة الحكاية والواقع..!

 

 

د. سلمان ريا

 

في إحدى الحكايات التي كتبها الأديب الفرنسي فرنسوا رابليه في القرن السادس عشر، ترد قصة طريفة تحمل معنى أعمق بكثير من ظاهرها، عُرفت باسم “خرفان بانورج”. تحكي القصة عن بانورج، الذي كان في رحلة بحرية حين التقى بتاجر أغنام متعجرف. اشترى منه خروفًا واحدًا بثمن مجزٍ، ثم ألقاه في البحر أمام أنظار الجميع. وما إن قفز الخروف حتى تبعه القطيع بأكمله، واحدًا تلو الآخر، بلا تفكير أو تردد، حتى كاد الرعاة أنفسهم أن يقفزوا. كان المشهد ساخرًا، لكنه في جوهره تحذير من الانقياد الأعمى، حيث يذوب صوت الفرد في حركة الجماعة، وتختفي الإرادة أمام قوة التقليد.

 

لو أسقطنا هذه الحكاية على واقعنا السوري، سنجد أن البحر لم يعد مجرد استعارة بعيدة، بل صار حاضرًا في تفاصيل حياتنا. كم مرة قفزنا جميعًا خلف (الخروف)الأول، فقط لأنه تحرك أولًا، دون أن نسأل عن وجهة الطريق أو عمق المياه؟

منذ عقود، تبدلت وجوه (الخراف) الأولى، لكن البحر ظل واحدًا: بحر الشعارات التي تُرفع دون تمحيص، والوعود التي تُتبع دون تحقق، والانقسامات التي نتبناها وكأنها قدر لا فكاك منه.

 

في محطات كثيرة من تاريخنا، بدا الاندفاع وراء من يتصدر المشهد وكأنه موقف وطني أو وعد بالخلاص، لكن النتيجة كثيرًا ما كانت أن نصل جميعًا إلى قاع البحر، ونحن مقتنعون أننا اخترنا مصيرنا بأنفسنا. هذه ليست سمة طرف واحد أو تيار بعينه، بل هي نزعة بشرية تتغذى على الخوف من العزلة، والرغبة في الأمان وسط الجماعة، حتى لو كان ثمن ذلك هو الذهاب معًا إلى المجهول.

 

إن الدرس الذي تمنحه القصة بسيط وعميق في آن: أن نتوقف لحظة قبل القفز، وأن ننظر إلى البحر مليًّا قبل أن نتبعه. سوريا اليوم أمام فرصة نادرة لتعلّم هذا الدرس؛ أن يستعيد الفرد وعيه، وأن يُسهم كل واحد في تحديد الوجهة بدل الاكتفاء بالانجراف. لعل الخلاص هذه المرة يكون في أن يتعلم “القطيع “أن يتفرق طوعًا بحثًا عن برٍّ آمن، ثم يعود بإرادته ليبني جماعة تعرف أين تذهب ولماذا. عندها، فقط، ستتحول قصة بانورج من واقع يبتلعنا إلى حكاية نرويها، ونحن نبتسم لأننا اخترنا النجاة.

(موقع أخبار سوريا الوطن الالكتروني-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل سنسمع قرع الطبل قبل فوات الاوان؟!

    سمير حماد   في احدى الليالي , وبينما كان اللص منهمكا بصنع فتحة في جدار البيت الذي اراد سرقته .. سمع الرجل المريض ...