| يحيى دبوق
تُعدّ المحرقة النازية لليهود في أوروبا، منجماً لا ينضب لمصالح وديمومة إسرائيل، فضلاً عن كونها مصدرَ حصانة وردع وابتزاز للصديق والعدو معاً. على أن أيّ مسّ بهذا المنجم، عبر إعادة البحث في حيثياته، يُمثّل كارثة لرواية المحرقة وتوظيفاتها، ويجري التعامل معه بوصفه جزءاً لا يتجزّأ من أعمال الحرق النازي نفسها.
على هذه الخلفية، فإن حديث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن دمٍ يهودي للزعيم النازي، أدولف هتلر، مسَّ برواية المحرقة كما يُراد لها أن تكون، واعتُبر ضربةً في صميمها، كونه يوحي أن يهودياً أو حامل دمٍ يهودي هو مَن قاد المحرقة، وهو ما يقود إلى الكشف عن حقائق أخرى من شأنها أن تحدّ من فاعلية الرواية وقدرتها على ابتزاز القريب والبعيد. ولو كان لافروف وزيرَ خارجية دولة أخرى غير روسيا، لكانت «القيامة الإسرائيلية قامت ولم تقعد». لكن، كما في رواية المحرقة مصالح إسرائيلية مباشرة، كذلك في «مهادنة» روسيا. وبين هذه وتلك، يجري العمل على تكييف مواقف تل أبيب وأفعالها، تجاه الجانب الروسي: تظهير الغضب الإسرائيلي ردّاً على لافروف، لكن دون إغضاب الجانب الروسي، إذ لا يزال التخادم البيني يشكّل مصلحة مشتركة لكلا الجانبين، وإن كانت إسرائيل هي الأحوج إلى هذه المهادنة.
وإذ يبدو أن حقيقة «الدم اليهودي لهتلر» تجرح الصهاينة وأتباعهم، إلّا أن إشارة وزير الخارجية الروسي لم تأتِ من فراغ. ووفقاً للإعلام العبري، وهنا المفارقة، لا يمكن استبعاد «الدم اليهودي» للزعيم النازي، والمسألة تعود إلى جدّته لأبيه، كونها أنجبت ابنها من خارج الزواج خلال إقامتها كعاملة في منزل عائلة يهودية، حيث يرجّح أنها أقامت علاقة جنسية مع أحد أفرادها. وفي تقرير لصحيفة «هآرتس»، إشارة إلى تبنّي حديث لافروف، وإنْ عبر الحديث المقابل عن تجاذب الاحتمالات. وما إقدام وسيلة إعلامية كـ«هآرتس» على نشْر ما يعارض رواية إسرائيل الرسمية، إلّا تشكيكٌ يستأهل التأمّل طويلاً. وبعنوان «حقيقة الدم اليهودي لهتلر دُفنت مع جدّته» – حُذف لاحقاً بتوجيهات عليا، ليصبح «أصول هتلر اليهودية بلا دليل» -، تشير الصحيفة إلى أن الحديث عن الدم اليهودي لهتلر يعود إلى عشرينيات – ثلاثينيات القرن الماضي، في الفترة التي حكمت النازية ألمانيا، وبرز اسم أدولف هتلر زعيماً لها.
مسَّ حديث لافروف عن دمٍ يهودي للزعيم النازي، أدولف هتلر، برواية المحرقة
وترتكز هذه «الفرضية» على أن والد هتلر ابن لأحد أفراد عائلة يهودية عاشت، في حينه، في النمسا، حيث كانت جدّته (غير يهودية) تعمل خادمة. وعادت «الفرضية» إلى الاستعار بعد الحرب العالمية الثانية؛ ففي مذكّرات المحامي الشخصي لهتلر، هانز فرانك ( نُشرت بعد إعدامه عام 1946)، الذي حكم بولندا لدى احتلالها من قِبَل النازيين، ورد أن الزعيم النازي أسرّ له عن رسالة تلقّاها من ابن أخيه، هدّده فيها بالكشف عن أن لديه «دماً يهودياً». ويورد فرانك، في مذكّراته، أن هتلر طلب منه التحقيق في جذور عائلته، مشيراً إلى أنه اكتشف – بعد تحريه عن الحقيقة – أن ماريا آنا شيكلبرغ، جدّة هتلر، أنجبت أباه خلال عملها طاهية في منزل عائلة فرانكنبرغر اليهودية في مدينة غراتس، ثاني كبرى المدن النمسَوية. ويضيف فرانك أن هتلر، قال له مشكّكاً في رواية «الدم اليهودي»، إنه سمع من والده وجدّته أن جدّه لم يكن يهودياً، لكن بسبب أن جدته وزوجها اللاحق بعد الإنجاب كانا فقيرين، فعمدا إلى إقناع ذاك اليهودي ليعتقد أنه كان والد الطفل، ليحصلا منه على إعالة مالية، ما يعني إقراراً من جانب هتلر بأن أباه وُلد خارج الزواج، وفي الفترة التي عملت فيها جدّته لدى عائلة يهودية…
كيفما اتُّفق، لم يأتِ على لسان وزير الخارجية الروسي أيّ جديد، بل هو أعاد التذكير بحقيقة تاريخية، أو بفرضية مدعومة بأدلّة، تفضي إلى النتيجة نفسها: لدى الزعيم النازي أدولف هتلر «دم يهودي». وهي الحقيقة التي استفزّت إسرائيل وأغضبتها، والتي من شأنها أن تكون مقدّمة لفتح ملفات النازية والمحرقة لإعادة دراسة وقائعها وحيثياتها، وهو ما لا يتوافق، بالمطلق، مع المصلحة الإسرائيلية التي تريد إبقاء الرواية على حالها.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار