في أعقاب الهجوم الإرهابي على مركز «كروكوس سيتي هول» التجاري، في ضواحي موسكو، مساء الجمعة، والذي وصفه مراقبون بالهجوم «الأخطر» من نوعه في ستين عاماً، أُعلن أمس، يومَ حداد وطني في جميع أنحاء البلاد، فيما تواصل السلطات الروسية ملاحقة المشتبه بهم، والبحث عن الأسباب الكامنة وراء الهجوم والجهات الفعلية التي تقف خلفه وأهدافها بعيدة الأمد، بعدما أعلن تنظيم «داعش»، في منشور عبر «تيليغرام»، مسؤوليته عن الهجوم. وطبقاً للبيانات الأخيرة التي نشرتها وسائل إعلام روسية، فقد أفادت «لجنة التحقيق»، بأنّ محصلة الضحايا ارتفعت إلى 133، من بينهم ثلاثة أطفال، فيما جهود البحث عن الضحايا مستمرة. وفي ما يتعلق بالإصابات، بحسب وكالة «تاس» الروسية للأنباء، فقد بلغ عدد المصابين 154 شخصاً، 107 منهم لا يزالون يخضعون للعلاج في المؤسسات الطبية، من بينهم 15 منهم في حالة «خطيرة جداً»، و42 في حالة «خطيرة». من جهته، أعلن «جهاز الأمن الفيدرالي الروسي» اعتقال 11 مشتبهاً فيه، من بينهم أربعة انخرطوا بشكل مباشر في الهجوم. وطبقاً للجهاز، تم اعتقال «أربعة إرهابيين في مقاطعة بريانسك، قرب حدود أوكرانيا»، في أعقاب الهجوم، بعدما كانوا يتحضرون لـ«عبور الحدود الروسية مع أوكرانيا». وأشار إلى أنّه كانت لدى المجرمين «اتصالات مع الجانب الأوكراني»، وسط معلومات تفيد أيضاً بأنّ بعض الأشخاص ضمن الأراضي الأوكرانية «كانوا يستعدون للسماح لهم بالعبور». وفي أعقاب الهجوم، دانت العشرات من الدول والمؤسسات الدولية الاعتداء، معربة عن «تعازيها» بسقوط الضحايا المدنيين.وفيما تبقى المعطيات حول طبيعة الحدث والجهات التي تقف خلفه غير مكتملة بعد، فإنّ التصريحات الصادرة عن موسكو تعكس، حتى الآن، شكوكاً روسية حول علاقة محتملة لأوكرانيا، رغم نفي كييف المستمر لهذه الاتهامات، بل زعمها حتى وقوف أجهزة الأمن الروسية «خلف الهجوم»، بهدف تأجيج «العداء في المجتمع الروسي إزاء أوكرانيا». على أنّه لدى صدور تصريحات عن واشنطن تدعم المزاعم الأوكرانية المشار إليها، اعتبرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أنّ رد الفعل الأميركي الذي «ادّعى مباشرة أنّ كييف غير متورطة في الحادث»، يطرح «الكثير من الأسئلة». وأردفت زاخاروفا في مقابلة تلفزيونية: «الأساسات التي ترتكز عليها واشنطن، في خضم مثل هذا الحادث المأساوي، للخروج بخلاصات حول عدم تورط جهة معينة، تثير الكثير من الشكوك»، مشيرةً إلى أنّه «في حال كانت لدى الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى معلومات موثوقة في هذا الصدد، فكان ينبغي تقديمها إلى الجانب الروسي على الفور»، وأنّه في حال لم تكن مثل هذه المعلومات متوافرة، «فلا يحق للبيت الأبيض أو أي شخص آخر» الدفاع عن أي طرف.
تعكس التصريحات الرسمية، حتى الآن، شكوكاً روسية حول علاقة محتملة لأوكرانيا بالعملية الأخيرة
وبالحديث عن مثل هذه المعلومات، فإنّ «هجوم موسكو» أعاد إلى الواجهة ما قيل إنّها تحذيرات أميركية سابقة من «هجوم إرهابي وشيك» في روسيا؛ إذ قالت الولايات المتحدة إنها أبلغت السلطات الروسية، في وقت سابق من هذا الشهر، عن معلومات استخباراتية تفيد بأن تنظيم «داعش – خراسان» كان يخطط لشن هجوم على موسكو. وبالإضافة إلى التحذير المشار إليه، زعم مسؤولون أميركيون أنّهم أبلغوا نظراءهم الروس، بشكل خاص، بمعطيات مماثلة. من جهتها، كانت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أدريان واتسون، قد ذكرت، في وقت سابق، أن الحكومة الأميركية نقلت معلومات إلى روسيا عن هجوم مزمع في العاصمة، وأنّها أصدرت أيضاً نصائح عامة إلى الأميركيين في روسيا في السابع من آذار، لأخذ الحذر، علماً أن «التنبيه الأمني» المدرج على موقع السفارة الأميركية في موسكو، في 7 آذار، نصح «المواطنين الأميركيين بتجنب التجمعات الكبيرة خلال الـ 48 ساعة القادمة»، على خلفية «تقارير تفيد بأن المتطرفين لديهم خطط وشيكة لاستهداف التجمعات الكبيرة في موسكو، بما في ذلك الحفلات الموسيقية». على أنّ سفير روسيا لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف، نفى، في وقت لاحق، أن تكون الولايات المتحدة قد أرسلت أي «معلومات محددة» إلى السفارة قبل هجوم الجمعة، وأنّه لم يحصل أي تواصل بعد ذلك.
وعلى أي حال، يرى مراقبون أنّ مثل هذا الهجوم الذي يأتي في وقت «حرج» بالنسبة إلى أوكرانيا، بعد التعثر الذي تشهده قواتها في الحرب مع روسيا، وفي أعقاب فوز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالانتخابات أخيراً، وانتشار معلومات حول استعداد موسكو لشنّ هجوم واسع جديد قريباً، يهدف على الأرجح إلى إرسال «إشارات» إلى موسكو، ومحاولة بث الذعر لدى المجتمع والقيادات الروسية من أنّ الحرب قد «تنتقل» إلى الداخل الروسي، والتصوير أنّ «بوتين عاجز عن الحفاظ على أمن روسيا»، وهو ما حاولت العديد من وسائل الإعلام الغربية، الترويج له في أعقاب الهجوم. وفي المقابل، برزت تأكيدات روسية أنّ «الهجمات الإرهابية والحرب الهجينة التي شنها الغرب على روسيا، لن تجبر موسكو على تغيير مسارها أو سياستها الخارجية».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية