| علاء حلبي
يراوح الوضع الميداني في الشمال السوري مكانه، في انتظار ما ستسفر عنه المباحثات التركية – الروسية، وتلك التركية – الأميركية، من نتائج. وإذ يحاول الروس تليين موقف كلّ من الطرفَين التركي والكردي، عبر اقتراح مشروع تسوية مماثل لذلك الذي طُبّق في الجنوب السوري، فإن جهودهم لا تبدو مضمونة النجاح إلى الآن، لسببَين رئيسَين: أوّلهما أن «قسد» لا تزال تراوغ، واضعةً رهانها الأكبر على الجانب الأميركي، ومقترِحةً تطبيق الخطّة الروسية الجديدة على تل رفعت فقط، التي تفضّل خسارتها على الدخول في تسوية حقيقية مع الحكومة السورية؛ وأمّا ثانيهما، فهو أن تركيا لن تَقبل ببساطة تكرار تجربة عام 2019، عندما انسحب المقاتلون الأكراد شكلياً من المناطق المستهدَفة آنذاك، فيما بقيت قبضتهم العسكرية والإدارية محكَمة عليها
بعد ساعات من إنهاء الوفد الروسي، برئاسة نائب وزير الخارجية، سيرغي فيرشينين، زيارته لإسطنبول حيث أجرى لقاءات مع مسؤولين أتراك، من بينهم نائب وزير الخارجية، سادات أونال، خرج وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، بتصريحات جديدة حول العملية العسكرية التي أعلنت بلاده مراراً عزمها على تنفيذها ضدّ «قسد»، قائلاً إنها «مسألة تقنية ومسألة تكتيكات وحسابات». وأنبأ هذا التصريح بتمهّل تركي، أملاً بتحصيل مكاسب على طاولة الحوار السياسية، بدلاً من خوض غمار حرب من شأن الخسائر المرافقة لها أن تؤدي دوراً حاسماً، ربّما لغير مصلحة الرئيس رجب طيب إردوغان، في الانتخابات الرئاسية المقرَّرة في شهر حزيران من العام المقبل. وعلى الرغم ممّا حمله كلام أونال من تأكيد غير مباشر لتأجيل الهجوم، فهو لم يخلُ من نبرة تهديد مستمرّة ضدّ «قسد»، المطالَبة بالابتعاد 30 كلم عن الحدود، الأمر الذي كرّره إردوغان، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ناقش خلاله الطرفان ملفات عديدة؛ من بينها ممرّ الحبوب المتعلق بالحرب في أوكرانيا.
اقترح الروس سحب قوات «قسد» والإبقاء على «الأسايش» إلى جانب الجيش السوري
بناءً عليه، وفي ظلّ موافقة تركيا المحتمَلة على الخطّة الروسية الجديدة، باتت «قسد» أمام تحدّي اتّخاذ قرارات مصيرية ضمن مدّة زمنية محددة: فإمّا الموافقة على هذه الخطّة بكلّ تفاصيلها، أو مواجهة خيارات أخرى. إلا أن مسؤولي «الذاتية» لا يزالون يحاولون استثمار رفض دمشق المعلَن لأيّ تقدّم برّي تركي جديد، باعتبارهم مسألة الدفاع عن الشمال السوري من مسؤولية الحكومة السورية، وأن التهديدات التركية لا تمسّ «الإدارة» التي ستستمر حتى لو خسرت بعض المناطق فحسب، وإنما تمسّ أيضاً وحدة الأراضي السورية التي تدافع عنها دمشق. وفي الوقت نفسه، لا تزال «قسد» تعوّل على موقف واشنطن، التي حاولت وضع مقترحها القاضي بإعادة هيكلة «الذاتية» وبناء علاقات بينها وبين أنقرة، على الطاولة من دون جدوى. وإلى أبعد من ذلك تذهب بعض الآراء داخل «قسد»، حيث ترى أفضلية خسارة تل رفعت في حال المواجهة مع تركيا، على الانسحاب من المناطق المستهدَفة جميعها وتسليمها للجيش السوري، حتى مع قبول موسكو ودمشق الإبقاء على «الأسايش» فيها. ويرى أصحاب هذه الآراء، والذين يمثّلون الوزن الأثقل داخل «قسد»، أن تسليم تلك المناطق يمثّل خسارة في الملفّ التفاوضي مع الحكومة السورية حول مسألة بقاء «الذاتية»، والذي تحاول الأخيرة وضعه على طاولة الحوار بحثاً عن اتفاق يضمن لها تَحقّقه.