آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » روسيا في أفريقيا: محاولات لاستدراك «الخسارة السورية»

روسيا في أفريقيا: محاولات لاستدراك «الخسارة السورية»

 

محمد عبد الكريم أحمد

 

 

تتبّعت الميديا الغربية، في الآونة الأخيرة، ما عدّتها خطوات عملية اتّخذتها موسكو لنقل أصولها العسكرية من سوريا إلى أفريقيا، على مقربة من سواحل البحر المتوسط، وتحديداً قرب المنطقة الحدودية الليبية – التشادية – السودانية عند إقليم كوريبوجودي الغنيّ بمناجم الذهب، وذلك وفقاً لتحليل تلك الميديا لصور التقطت من الفضاء للإقليم (5 الجاري)، وما بدا من تجهيزات ممهِّدة لاستقبال المعدّات الروسية، والمصحوبة بعناصر «الفيالق الأفريقية». وأوردت تقارير استخبارية أوكرانية، أيضاً، معلومات عن توجُّه سفن شحن روسية إلى سوريا، ومنها إلى «قواعد ليبية»، محمَّلة بمعدّات وقوات عسكرية روسية، يتقدّمها رئيس أركان فرقة الإنزال البحري الرقم 121، الكابتن يوري ديفيتيان. وعلى الرغم مما يبدو من كَون أفريقيا ساحة مثالية لإعادة تموضع القوات الروسية العاملة في سوريا بعد سقوط النظام السابق، إلّا أن الحَراك الروسي في هذه القارة يواجه تحدّيات جمّة (مثل الضغط الفرنسي المرتقب في إقليم الساحل عقب تقلُّد دونالد ترامب مهمات منصبه رسميّاً، وتراجُع سمعة موسكو كحليف أفريقي يعوَّل عليه، وكذلك التطوّرات المرتقبة في الحرب مع أوكرانيا)، تجعل من السيناريو السابق أمراً بعيد المنال، مرحليّاً على الأقلّ.

 

 

روسيا وأفريقيا: البدائل وحدودها

إلى ما قبل انهيار النظام السوري، ظلّ النشاط الروسي في أفريقيا يُراوح بين تقديم الدعم العسكري والأمني لدول مِن مِثل جمهورية أفريقيا الوسطى ودول الساحل الأفريقي، وتوسيع عمل شركات الطاقة الروسية في شمال القارة، وما يروَّج عن تدخُّل استخباري روسي في العمليات الانتخابية الأفريقية عبر واجهات «منظمات مراقبة الانتخابات» الروسية، إلى جانب تبنّي الكرملين خطاباً مناهضاً للاستعمار في أفريقيا. أما اليوم، ولتعويض خسارتها في سوريا، تركّز روسيا على ليبيا، فيما تروّج وسائل إعلامها لمتانة الصلات الروسية – الأفريقية، في ما يبدو وكأنه جهد مقصود لتدارك سمعة موسكو المتداعية في القارة، بعد سقوط النظام السوري. فعلى سبيل المثال، أفردت تلك الوسائل مساحات للحديث عن نُظم الدفاع الجوّي الروسية التي تنشرها دول أفريقية، أبرزها، بحسب «سبوتنيك»، مصر والجزائر وإثيوبيا. كما أبرزت توقيع دول مثل بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي وجنوب أفريقيا «اتفاقات مع مستثمرين روس لتطوير برامج طاقة نووية» فيها، ولا سيما أن شركة «روساتوم» المملوكة للدولة تستحوذ على نحو 70% من سوق الصادرات العالمية في مجال تشييد مصانع طاقة نووية جديدة.

 

يظلّ حضور روسيا في أفريقيا، بعيداً من اتفاقات التعاون العسكري والأمني، محدوداً جداً، قياساً بأدوار دول أخرى فاعلة

 

 

وعلى أيّ حال، يظلّ حضور روسيا في أفريقيا، بعيداً من اتفاقات التعاون العسكري والأمني، محدوداً جداً، قياساً بأدوار دول أخرى فاعلة، بل وقادرة على إعادة توظيف «الدور الروسي» نفسه وتدويره لمصلحتها في ملفّات أخرى (مثل ليبيا منذ ربيع 2019، والسودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى). وإلى جانب ما تقدّم، كشفت التجربة الروسية في سوريا بوضوح عن احتمالات «تضحية» موسكو بمصالح حلفائها الأفارقة، حال توصّلها إلى تفاهمات «جديدة» مع قوى إقليمية أو دولية متوسطة، أو لتخفيف وطأة الضغط الغربي عليها في الحرب الأوكرانية، الأمر الذي يقود إلى تصوُّر محدودية البدائل الروسية عن سوريا في القارة الأفريقية. كذلك، فإن اضطرار موسكو إلى تفادي المرور فوق المجال الجوّي التركي للوصول إلى قواعدها المحتملة في ليبيا، يضيف صعوبات لوجيستية هائلة إلى اختيار «البديل الليبي»، ويزيد من تكلفته الباهظة التي ربّما لن تكون في متناول روسيا راهناً.

 

 

روسيا وحفتر: احتواء جديد؟

لا يزال اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي عُدَّ لسنوات بعد عودته إلى ليبيا من ضمن أهمّ الأدوات والأصول الأميركية الفاعلة في الأزمة الليبية، حليفاً محتملاً لموسكو، بعد هرولة الأخيرة إلى تقديم دعم عسكري جوّي لحملته على طرابلس في ربيع 2019، وإنْ ظلَّ هذا التحالف عند حدود الاحتواء، وضمان تحقيق مكاسب مادّية متبادلة، بل ومتّسقاً مع الرؤية الخليجية – المصرية الداعمة لحفتر في مواجهة حكومة «الوفاق». وبحسب المعطيات الراهنة، تسعى موسكو إلى تحقيق تحوّل استراتيجي في حضورها في ليبيا نحو وجود عسكري أكثر استدامة، يضمن لها القدرة على مواجهة الضغوط التي يسلّطها «الناتو» على الأسطول الروسي في البحر الأسود. لكن تجاوز روسيا لدورها الحالي في ليبيا، والاقتراب العملياتي الأخطر من مناطق الأزمات في السودان وتشاد وبقية دول الساحل الأفريقي، يبدوان بعيدَي المنال، ولا سيما أنهما يهدّدان بشكل مباشر عمليات «الأطلسي» في البحر المتوسط. ولم يكن مفاجئاً، في هذا الإطار، إعلان عدد من مسؤولي «الناتو» عن مراقبة الأخير عن كثب لـ«الأنشطة في مدن ليبية، من مثل طبرق وبنغازي».

 

 

أما حفتر، فتبدو حساباته متناقضة جداً، بين حاجته (التي باتت ملحّة) إلى الدعم الروسي، وخصوصاً مع الصعود المرتقب لتركيا على الساحة الليبية واحتمالات تكرار السيناريو السوري بشكل مباغت هناك، وقدرته الحقيقية على الخروج من مظلّة «الناتو» في ليبيا. كما أن محاولته طمأنة القاهرة بخصوص أمن حدود مصر الغربية من الجانب الليبي، وصلت إلى حدودها الدنيا منذ عام 2019، في مقابل ما سيشهده اندفاع مصر وراء تأييد الاستراتيجية الإماراتية في ليبيا من تباطؤ ملموس، في ضوء تململ دوائر أمن مصر القومي، اللصيقة بالسودان وسوريا، من تلك المقاربات. وبخصوص صلة روسيا بما تقدم، فإن أيّ وجود روسي في القواعد المشار إليها جنوب ليبيا، سيمثّل قوّة دفع لا يستهان بها لقوات «الدعم السريع» في غرب السودان، ويؤثّر في سياسات النظام التشادي (وثيق الصلة تاريخيّاً بالقاهرة منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي)؛ وهي متغيّرات بالغة الخطورة تضيف تعقيدات إلى خيارات حفتر، ودعم القاهرة لها.

 

 

سيناريو الانسحاب الروسي من أفريقيا

وفيما يدور الجدل راهناً حول مستقبل روسيا ووجودها في أفريقيا، بادر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين (6-7 الجاري)، إلى إرسال الجنرال يونس-بيك يافكوروف، المسؤول عن إدارة عمليات روسيا في أفريقيا بعد ترقيته الشهر الفائت، إلى منطقة كورسك أوبلاست (التي تشهد هجوماً عسكريّاً أوكرانيّاً مكثفاً منذ مطلع العام الجاري) لمتابعة التطورات هناك، الأمر الذي عدَّه مراقبون (تلغراف 7 الجاري) مؤشراً إلى مخاوف روسية جادّة إزاء الوضع في كورسك، وأن موسكو التي أعلنت قبل أيام هزيمتها للقوات الأوكرانية في الإقليم، ترى في مسألة السيطرة عليه أولوية قبل تنصيب ترامب، ترقُّباً لمفاوضات سلام محتملة، برعاية الأخير. وأفريقيّاً، فإن هذا التطوّر، وربْطه بـ«السيناريو السوري»، يشيران إلى احتمالات تراجع روسي كبير في القارة الأفريقية بعد الـ20 من الجاري، فيما تظلّ مساعي موسكو في ليبيا تحديداً، عند مستوى التلويح بورقة تفاوضية مهمّة قد تحتاجها لدى الدخول في محادثات سلام مع كييف والأطراف الغربية الداعمة لها.

 

 

 

 

 

أخبار سورية الوطن١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ترودو معلقاً على مقترح ترامب بضم كندا إلى الولايات المتحدة: مستحيل تماماً

  رئيس الحكومة الكندية جاستن ترودو يرفض المقترحات الأخيرة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بضمّ كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية بشكل قاطع.     رفض ...