د. عبد الحميد فجر سلوم
1ــ
وزيرُ خارجيةِ دولةٍ عربيةٍ سابق، كتب مؤخّرا مقالا بعنوان (للمُشكِّكين: روسيا صديق وليست بحليف)..
ودافعَ فيه عن كل المبررات لروسيا لِعدم ردع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.. بل خلقَ مُبرِّرات لم تكُن بخاطِر روسيا..
من المُبرِّرات التي سردها:
ــ أنّ 20% من سكان إسرائيل يتحدثون اللغة الروسية.. ومعظمهم من المهاجرين الذين غادروا الاتحاد السوفييتي مع بداية عام 1990 ، أي بعد تفكُّك ذاك الاتحاد..
ــ اللغة الروسية من اللغات الأجنبية الرئيسية في إسرائيل، وهناك حاليا 4 صحف يومية و 5 صحف شهرية وأكثر من 50 صحيفة محلية، تصدر بالروسية.. فضلا عن خدمات الراديو باللغة الروسية..
ــ وجود مليون يهودي يتحدّرون من الاتحاد السوفييتي السابق.. وبالطبع هذا جسر متين للعلاقات الروسية الإسرائيلية..
ــ العلاقات الاقتصادية والتجارية الواسعة بين روسيا وإسرائيل..
ــ التعاون في مجال الفضاء، حيث قامت الصواريخ الفضائية الروسية في السابق، في الأعوام 2000 و 2003 و 2006، بإطلاق الأقمار الصناعية الإسرائيلية(آروس وآموس..الخ.)إلى الفضاء.. (طبعا كلها أقمار تجسُّس على دول المنطقة)..
ــ شراء روسيا للمُسيّرة الإسرائيلية (هرميز 450) وهي طائرة بلا طيار، وذات فعالية كبيرة، ولذلك اشترتْ روسيا عددا منها، ثم وقّعت مع إسرائيل اتفاقا لتصنيع هذه الطائرة بشكل مشترك بينهما، شرط أن لا تصل إلى أيدي أعداء إسرائيل..
2ــ
وقد كشفَ الوزير معلومة كُنّا نجهلها، وهي أنّ روسيا جمّدت عام 2010، وإثر ضغوط غربية، عقدا بقيمة 800 مليون دولار، يقضي ببيع سورية نظام الدفاع الجوي (إس 300) إلى سورية لأن استخدامها ستكون له تداعيات على العلاقات الروسية ــ الإسرائيلية.. وهذا ما تريد موسكو أن تتحاشاهُ..
وكما نفهمُ من كلام السيد الوزير، فحينما تمّ لاحقا تسليم هذه المنظومة، فقد كان الشّرط عدم استخدامها ضد إسرائيل.. وهذا بات واضحا من خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وعدم إطلاق صاروخ إس 300 واحد ضد طائراتها..
إذا ما حاجة سورية لهذه المنظومة؟.
وتطرّق الوزير إلى زيارة رئيس وزراء إسرائيل(نفتالي بينيت) إلى موسكو، وإشادةِ بوتين بالعلاقات بين البلدين، ووصفهِ لها بأنها فريدة وتقوم على الثقة المُتبَادلة..
ــ كما أشار إلى أنهُ لا توجد اتفاقية دفاع مشترك بين سورية وروسيا.. بما يعني أن روسيا ليست مُلزَمة قانونيا بالدفاع عن سورية..
ــ وأوضحَ أن مشاركة القوات الروسية في الحرب في سورية هي لمواجهة القوى الإرهابية المُسلّحة في الداخل فقط.. (إرهاب إسرائيل لا يعني روسيا)..
ــ وشرَحَ الفرق بين علاقة أمريكا بإسرائيل التي ترقى لمستوى التحالُف، وعلاقة روسيا بسورية التي لا تتجاوز مفهوم الصداقَة..
ــ واختتم مقاله بالقول: إلى الذين يعتَبون على روسيا، ويشككون في مواقفها إزاء اعتداءات إسرائيل، عليهم أن يعرفوا أن روسيا صديق وليست بحليف..
3ــ
يُشكر السيد الوزير أنهُ أخبرنا أن أمريكا حليف لإسرائيل، فقد كُنا نجهل ذلك، ولكن حقيقة الأمر كل ما كتَبهُ عن علاقات روسيا بإسرائيل يُبيِّن أيضا أن روسيا هي بدورها حليف لإسرائيل.. وتختلفُ روسيا مع أمريكا في كل مكان، ولكن تتّفق معها بشأن الدفاع عن إسرائيل وأمن إسرائيل.. وهذا ما يُطمئِن الجانب الأمريكي من التواجُد العسكري الروسي في سورية، إذْ سبق لأمريكا أن طالبَت بخروج كل القوات الأجنبية ما عدا روسيا..
4ــ
إذا حينما يتحدّث الخطاب الإعلامي والسياسي والدبلوماسي السوري، عن الحليف الروسي، فهو لا يعكس الحقيقة.. فروسيا ليست بحليف كما كُنّا نسمع، ونعتقد..
فكل الاتفاقات الموقّعة في زمن الاتحاد السوفييتي، والتي ورثتها روسيا قانونيا، ومنها “معاهدة الصداقة” بين سورية والاتحاد السوفييتي الموقعة في تشرين أول/أكتوبر عام 1980، والاتفاقية بين وزارتي دفاع البلدين، الموقعة في 7 تموز/يوليو 1994 ، فضلا عن الاتفاق العسكري الذي وقعه وزيرا دفاع البلدين في 15 كانون ثاني/يناير 2016 وأعطى لروسيا صلاحيات واسعة جدا.. وقواعد جوية وبحرية وبرِّية متعددة، فكُل ذلك لم يرقى إلى مستوى التحالُف وحماية سورية من اعتداءات إسرائيل.. وإن كان الأمرُ كذلك، فحقيقة الأمر لا أرى تحالفْ ولا أرى صداقة.. وإنما علاقة من نوعٍ آخرٍ.. هيمنة القوي على الضعيف واستغلاله..
5 ــ
ولو سلّمنا برأي السيد الوزير أن الروسي صديق وليس حليف، ففي قواميس اللغة، الصديق هو من أخلصَ الودّ والوفاء في النعماء والبأساء وفي السرّاء والضرّاء.. فأين هو هذا الود والوفاء في ظل ما يعيشهُ الشعب السوري منذ زمنٍ ليس بالقصير، من أزمة قمح وخبز، وغاز ومازوت وبنزين وكهرباء، والروسي يُصدِّر كل ذلك لأرجاء العالم؟. فضلا عن احتراق جبالنا وأحراجنا وغاباتنا بالقرب منه دون أن يُرسِل طائرة إطفاء، كما تلك التي أرسلها ذات مرة لإسرائيل، ولِتركيا؟.
هذه مسائل إنسانية، وحتى عدوّك لو طلبت منه النجدة فإنهُ ينجدك فيها.. أمريكا عرضتْ على إيران المساعدة حينما حصل زلزال في إيران قبل بضع سنوات، رغم كل العداء..
6ــ
صحيح الروسي ساعد في محاربة التنظيمات الإسلاموية المتطرفة والإرهابية، ولكنه لم يُقدِّم شيئا لوجه الله، وكل ما دفَعهُ راكَمَهُ ديونا على سورية.. عدا عمّا حصل عليه من امتيازات عسكرية على حوض المتوسط الشرقي، الموقع الاستراتيجي، والجيوــ استراتيجي الحيوي بالنسبة لروسيا (قواعد جوية وبحرية وبرية وهذه كانت حُلُما روسياً)، ومكاسب اقتصادية وعقُود الفوسفات والنفط والغاز، والخبرة التي اكتسبها المقاتلون الروس، وتجربة أكثر من 300 صنف من الأسلحة ميدانيا فوق الأرض السورية، والترويج للسلاح الروسي، ثمّ عودة النفوذ الروسي على الساحة العالمية من خلال البوابة السورية، فضلا عن الإمساك بالورقة السورية، لِتحسين شروطها مع الغرب في أوكرانيا والقرم..
كل ذلك، يقتضي بأن تدفع روسيا لسورية وليس العكس.. وأن لا تسمح بأي عدوان إسرائيلي على الأراضي السورية.. فلا يُعقَل مجاملة إسرائيل، ومُراعاة مصالح إسرائيل على حساب مصالح سورية..
فأين هو مفهوم الصداقة إذاً؟.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم