أسماء الفريح
“إقامة علاقات جيدة مع كل دول العالم” نهج اعتمدته السياسة الخارجية السورية منذ التحرير، وأكدت دمشق أنها ستبادل الدول الأخرى بذات العلاقات الطيبة طالما أن هذه العلاقات لا تنتقص من سيادتها أو تؤثر على مصالحها الوطنية في المقام الأول.
ومن أجل إقامة علاقات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، أشار السيد الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته روسيا منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى أن سوريا تمر اليوم بمرحلة جديدة تسعى من خلالها إلى إعادة بناء علاقاتها السياسية والاستراتيجية مع الدول الإقليمية والعالمية، بينها روسيا.
وشدد في لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين على التخلص من التبعية التي ميزت علاقات موسكو بالنظام المخلوع، وأكد على سيادة البلاد واستقلالية قرارها بقوله: “نحن نحترم كل ما مضى من اتفاقيات، ونحاول أن نعيد ونعرف بشكل جديد طبيعة هذه العلاقات على أن يكون هناك استقلال للحالة السورية والسيادة الوطنية”.
إعادة توجيه بوصلة العلاقات مع روسيا إلى مسارها الصحيح، ترافقت في ذات الوقت مع خطوة مماثلة تجاه الصين التي كانت، مع موسكو، تستخدمان حق النقض “الفيتو” لحماية النظام المخلوع، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في مقابلة تلفزيونية أن العلاقات مع الدول الصديقة، ومنها روسيا والصين، تسير باتجاه إعادة بناء متوازن قائم على الندية والاحترام المتبادل، بما يخدم مصالح الشعب السوري.
التموضع العسكري إلى الشراكة السياسية
لم تعد روسيا تمثل لسوريا الجديدة الراعي الرئيسي لها ولمصالحها كما كانت عليه على عهد النظام المخلوع. فبعد أن كانت العلاقات مع النظام المخلوع قائمة على التبعية العسكرية، وخاصة أن تدخلها ساهم في ارتكاب مجازر بالسوريين منذ اندلاع الثورة السورية، سواء أكان ذلك التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر (لوجستيا “لتحسين منظومته العسكرية”، وعبر استخدام حق النقض، وتدخل عسكري مباشر نهاية عام 2015)، انتهجت الحكومة السورية الجديدة نهجا مغايرا.
وفي تقرير لصحيفة “بروفيل” الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أشارت إلى أن القمة التي جمعت الرئيسين الشرع وبوتين شهدت انتقال العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة من الشراكة البراغماتية الخالية من الأوهام.
وذكرت أن سوريا لم تعد منطقة مسؤولية بالنسبة لموسكو، وإنما أصبحت ساحة للحضور العسكري والسياسي، وتحولت قاعدة حميميم وميناء طرطوس إلى أدوات للمشاركة في الشؤون الإقليمية لا رموزا للرعاية المباشرة.
ويقول محمد السكري، الباحث في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة، في حديث لصحيفة “الثورة السورية”: إن الحضور الروسي في سوريا مختلف تماما عن الحضور السابق، فموسكو لم تعد فاعلة بالمعنى العسكري الذي ينتج النظام السياسي ويديره في سوريا.
وأضاف أن روسيا تحولت إلى ضامن لبعض القطاعات العسكرية المرتبطة بالمصالح الروسية وبعض تفاعلات الإقليم فقط، مشيرا إلى أنها أصبحت ذات أبعاد اقتصادية أكثر من أن تكون ذات أبعاد أمنية.
وتابع أن الهواجس الأمنية الروسية التي كانت لديها خلال فترة الثورة في سوريا، وخاصة في الربع الأخير من عمر الثورة السورية، انعكست بشكل واضح خلال المرحلة الانتقالية وأصبحت حقيقية.
وأوضح أن روسيا كانت تخشى من فقدان حضورها العسكري لقيمة الحضور العسكري، وهذا ما حصل بالفعل، فقد تفككت المعادلة الروسية الأمنية في سوريا بشكل كامل، وتحولت من معادلة قائمة على الأمن والاقتصاد إلى معادلة قائمة على الاقتصاد بدرجة أساسية.
وأشار إلى أن نمطية تسليح الجيش السوري قائمة على الاستثمار العسكري، وليس على العقيدة العسكرية، ليس على كيف يمكن أن تتأثر العقيدة الوطنية السورية في الجيش والعقيدة الروسية، فسوريا خارج هذه الاصطفافات منذ سقوط نظام المخلوع بشار الأسد.
وأكدت الإدارة السورية الجديدة منذ استقبالها وفدا روسيا برئاسة ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للشرق الأوسط، في كانون الثاني الماضي، التزامها بالتعامل مع جميع أصحاب المصلحة بطريقة مبدئية لبناء مستقبل لسوريا متجذر في العدالة والكرامة والسيادة. كما شددت أيضا على أن استعادة العلاقات يجب أن تعالج أخطاء الماضي وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه.
سقف الوجود الصيني
تصحيح العلاقة مع الصين بما لا يكون على حساب مصالح الشعب السوري قرار اتخذته سوريا، وتم التركيز عليه خلال اللقاءات التي جمعت مسؤولين سوريين مع كل من السفير الصيني لدى دمشق ومندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة. وقام الوزير الشيباني بأول زيارة رسمية إلى بكين في تشرين الثاني الماضي.
وقال الشيباني في منشور عبر منصة “إكس” إن الزيارة “خطوة مهمة في دفع مسار الشراكة بين بلدينا، حيث كانت المباحثات بناءة وفتحت آفاقا واسعة لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا”.
وأشار إلى أن تعزيز هذا الموقف يأتي في إطار مرحلة جديدة من التعاون السوري-الصيني، قوامها الاحترام المتبادل والعمل المشترك.
وأعرب الجانبان السوري والصيني في بيان مشترك خلال الزيارة عن حرصهما على البحث في التعاون بمجالات الاقتصاد والتنمية وإعادة إعمار سوريا وبناء القدرات وتحسين الظروف المعيشية للشعب السوري، وغيرها من مجالات الاهتمام المشترك.
وفي إطار تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، أصدر وزير الاقتصاد والصناعة نضال الشعار قرارا يقضي بتشكيل مجلس الأعمال السوري الصيني، بغرض توفير إطار عمل مؤسسي منظم وفعال، وتحفيز وتنمية التبادل التجاري، وجذب الاستثمارات الصينية المباشرة في القطاعات السورية ذات الأولوية مثل إعادة الإعمار والطاقة والبنى التحتية والتكنولوجيا.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل في حديث مماثل لصحيفة “الثورة السورية”، إن دمشق ترحب بالتمويل الصيني لكنها تبقي “قرار السيادة” خارج نطاق الاستثمار، عبر اعتبار الصين شريكا اقتصاديا ضمن القواعد السورية، لا طرفا يحدد أولويات الأمن أو السياسة. حيث تترجم هذه المعادلة عمليا إلى عقود مشروطة تتمثل في ملكية الدولة للأصول الحساسة، وتراخيص مرحلية، ونسب تشغيل محلية ونقل معرفة، وبنود تمنع تحويل التمويل إلى نفوذ سياسي.
وأضاف المغربل أنه فيما يخص الفصل بين المال والأمن يعد الأمر أساسيا، فمساهمة بكين تحصر في التجارة والإعمار، بينما تدار الملفات الأمنية عبر ترتيبات أخرى لا تمنح المستثمر دورا أمنيا مباشرا.
وتابع أنه بالنتيجة فإن دمشق تخفض مخاطر الارتهان عبر تنويع الشركاء وتوزيع المشاريع، فتستخدم تعدد الممولين والمستثمرين كأداة تفاوض لحماية السيادة وتحسين شروط الإعمار والعلاقات الاقتصادية.
إدارة التوازنات
يرى الباحث محمد السكري أن حجم الوزن الصيني من الناحية الاقتصادية في سوريا ضعيف للغاية، أي لا يمكن الحديث عن إمكانية أن يكون هناك استثمارات صينية في سوريا بالحجم الذي يمكن أن يؤدي إلى سؤال كيف يمكن إدارة التوازنات الاقتصادية الروسية الصينية فيها؟
واعتبر أن قيمة الاستثمارات الصينية في سوريا منخفضة وفي أدنى مستوياتها، ولا يمكن اعتبارها أساسا ثقل اقتصادي يخولها للدخول في حالة من المقامرة أو الصراع مع الجانب الروسي.
وأشار إلى أن روسيا هي الأخرى في الأساس لا تمتلك استثمارات بالمعنى الحرفي للكلمة في سوريا، فهي تستثمر في القطاع العسكري والأمني فقط.
تعمل سوريا على صياغة علاقاتها الخارجية بلغة المصالح العليا لسيادتها ولشعبها، وتفادي الوقوع في فخ التبعية والارتهان للخارج أو الانحياز للمحاور المتصارعة، وقد أثبتت حتى الآن قدرتها على تحقيق هذا التوازن واستعادة موقعها المهم الذي كانت تشغله في السابق عربيا وإقليميا ودوليا.
إحباط محاولة تهريب شحنة أسلحة في الزبداني كانت معدة لدخول لبنان
أخبار سوريا الوطن١-الثورة
syriahomenews أخبار سورية الوطن
