رحاب الإبراهيم
لم أجد كغيري من ذوي الدخل المحدود خياراً لقضاء إجازة الصيف الذي أرهقنا بموجات حره الشديدة وغلاء أشهره الكاوية، سوى التوجه إلى قريتي بريف حماة المظلوم كقرى المدن الأخرى، فالحصول على (شوية) ترفيه بمفهوم السياحة الشعبية أصبح يكلف “بقرة جحا” كما يقال، ما جعل فكرة تمضية بعض الوقت مع الأهل في أجواء الضيعة الوادعة تناسب الجيوب في ظل واقع معيشي يزداد تأزماً، لكن هذه الحسابات لم تنطبق على بيدر الواقع، الذي شابته منغصات كثيرة وتحديداً لجهة انعدام الخدمات لدرجة تشعر لوهلة بأنك تعيش في العصر الحجري، فلا ماء ولا كهرباء ولا غاز مع كثير من الغلاء و(الشوب).إهمال الأرياف، التي تعد الخزان الغذائي الأساسي بحيث يفترض أن تمد المدن باحتياجاتها وليس العكس، يعد خطأً استراتيجياً ندفع ثمنه اليوم في لقمة العيش بعد تجاهل غير مسوغ لإمكانات الأرياف وعدم استثمارها بطرق مجدية تنعكس إيجاباً على أهله وعموم المواطنين في الريف والمدينة، فلو منح الريف بخيراته الكثيرة الاهتمام الكافي مع تأمين الخدمات المطلوبة لإنمائه وخاصة الكهرباء والماء ومستلزمات الدعم الزراعي لكان حال معيشتنا واقتصادنا مختلفاً كلياً، إذا لا يمكن نكران أنه حينما كان الريف بخير وتحديداً عندما كانت للفلاح وأرضه أولوية كانت لقمتنا أطيب والخير أعم، لكن للأسف مع تكرار سياسات التقصير باستثمار ثروات الأرياف والتجاهل المستمر لمطالب أهلها والتوجه بدلاً نحو دعم المستوردين وحيتان الأسواق، انقلبت المعادلة واختلت الموازين، في ضربة موجعة للاقتصاد المحلي، الذي تعد الزراعة جناحه الأساس، ما يوجب العمل على اتخاذ قرارات جريئة تصحح مسار بوصلة الدعم نحو الريف أقله عبر تحسين مستوى الخدمات بطريقة تمكن سكانه من معاودة الإنتاج ليصبح مولداً لفرص العمل ويسهم في إبعاد شبح الاستهلاك (المدني) المخيم على ميادينه منذ سنوات على نحو تسبب في هدر ثرواته وتحويله إلى عبء بعد ما كان قطاعاً منتجاً يمد أسواق المدينة بسلع معقولة السعر وجيدة النوعية.
إنقاذ الأرياف من واقعها المعيشي والخدمي المتردي يتطلب خططاً استراتيجية ذات مفعول فوري بعيداً عن التجريب، وذلك باستثمار ذكي لموارده وإقناع رؤوس الأموال بالمشاركة وتمكين أهله من زراعة أراضيهم وتأهيل القطاعات المتضررة، وهذا ليس مستحيلاً ولاسيما أن الريفيين معروفون بإنتاجيتهم والتصاقهم بأرضهم، وبالتالي جلُّ ما هو مطلوب لإزاحة الغبن وآثار العصر الحجري عن معيشتهم اهتمامٌ مدروسٌ مع إرادة جادة وإدارة ذكية تدعم بكفاءات من أصحاب الأيدي البيضاء لإدارة المؤسسات الحيوية لضمان حلحلة المشكلات المتراكمة وإيجاد حلول نافعة تسهم تدريجياً في إنعاش حال الريف والمدينة وتحسن الواقع المعيشي لعموم المواطنين وليس قلة قليلة اعتادت (شفط) المكاسب
(سيرياهوم نيوز-تشرين٧-٩-٢٠٢١)