آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » زلزال سوريا وتركيا و”دُعاة الحرية”: السياسة والأحقاد فوق كلّ اعتبار

زلزال سوريا وتركيا و”دُعاة الحرية”: السياسة والأحقاد فوق كلّ اعتبار

لم تتوان “الإدارة الذاتية” التي ترعاها واشنطن في الشرق السوريّ، عن الإمعان بدورها في الاستغلال السياسيّ للمصيبة

على الرغم من كلّ هذا الدمار الهائل والويلات والآلام العظيمة التي أحدثها الزلزال الذي ضرب منطقة الحدود التركية – السورية صبيحة السادس من هذا الشهر شباط/فبراير، والذي حصد في طريقه أرواح عشرات الآلاف من السوريين والأتراك، ودمّر بلدات ومدناً وشرّد من لم يمت تحت الأنقاض من أهلها، على الرغم من أنّ هذا الزلزال صُنّف كواحد من أقصى وأفظع الكوارث الطبيعية وأكثرها فتكاً في المنطقة منذ مئات السنين، إلّا أنّ كل هذا لم يدفع بالعديد من الجهات الدولية والحكومية والفصائلية والشعبية إلى تنحية السياسة جانباً للحظات، والالتفات إلى الجانب الإنساني الأكثر إلحاحاً من أي أمرٍ آخر في مثل هذه الظروف الاستثنائية القاهرة.

وإذا كنا نعرف أنّ الولايات المتحدة الأميركية، لم تأبه يوماً بآلام الناس ومعاناتهم، بل بنت نفسها وقوّتها وسطوتها في الأساس، فوق جماجم ملايين البشر، ثمّ على استغلال ضعف الشعوب وسرقة ثرواتهم والإمعان في تفرقتهم وإشغالهم بالحروب أو الاقتتال بين بعضهم البعض أو بالبحث عن لقمة العيش، وأنها كسرت كلّ نظريات نشأة الدول وطرق تطورها وفنائها، بما في ذلك مقولة ابن خلدون الذي اعتبر في مقدّمته أنّ الدول لها عُمر يشبه عمر الكائن الحيّ الذي يولد وينمو ويتطوّر ثم ينحدر بعد نضوجٍ نحو الهرم والفناء.

وذلك باعتبارها البلد الوحيد في التاريخ، الذي انتقل مباشرةً من مرحلة النشأة (أو البربرية) إلى مرحلة التفسّخ أو الانحطاط، بحسب المؤرّخ الفرنسي هيبوليت رو فيران (وهي مقولة تُنسب إلى أوسكار وايلد أيضاً، الذي اعتبر لدى زيارته نيويورك العام 1882، أنّ الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي انتقل من البربرية إلى الانحطاط، من دون المرور بالحضارة)، وأنّ المأساة السوريّة بدأت واستمرت بفعل عدوان الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها في الغرب والشرق.

وبالتالي فإنّ استغلال واشنطن للزلزال المدمّر الآن ولاحقاً، وتسييس مسألة الإغاثة الدولية والمساعدة الإنسانية وتقييدها بداعي الحصار المفروض على الدولة السورية وشعبها، هو تحصيل حاصل في العُرف السياسي و”الأخلاقيّ” لدى الإدارات الأميركيّة، حتى حين تبلغ الوقاحة (وهذا أمر معتاد) لدى الخارجية الأميركية أنْ تقول إنّ “المجتمع الدوليّ أمام مسؤولية أخلاقية لمساعدة سوريا!”، فإننا نتوقّع أيّ شيء وكلّ شيء من الإدارة الأميركية الحالية، أو أي إدارة ستخلفها، حتى لدرجة التوقّف عند اتّهام بعض الكتّاب والمحللين والناس العاديين لها، بالقيام بنشاطات عسكريّة تسبّبت بحدوث الزلزال نفسه ( وهذا أمرٌ ناقشته بعض وسائل الإعلام التركية بجدّية وبالاستناد على معطياتٍ ومبرّرات، بالمناسبة).

وعليه أيضاً، فإنّ الاستغراب من انصياع بعض الحكومات العربيّة للمشيئة الأميركية، وعدم المبادرة إلى إغاثة السوريين المنكوبين، إلّا بعد وصول الأمر الأميركيّ وفوات الأوان على انتشال ناجينكان يمكن أنْ تُكتب لهم الحياة لو وجدوا مساعدة سريعة وعاجلة.

لكنّ الأغرب من هذا كلّه على الإطلاق، هو عدم جرأة بعض الحكام والمسؤولين العرب، على تقديم كلمة تعزية أو مواساة للشعب السوريّ (بعضهم بادر في قلب الكارثة السورية، إلى تعزية حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي بسقوط بعض جنودها أمام مقاومي الشعب الفلسطينيّ المناضل)، أو تقديم تعزية استنسابية، تؤكّد التعاطف مع بعض السوريين دون غيرهم، لأسباب سياسية (قل: أميركية).

والبعض الآخر أصرّ على التأكيد خلال الأيام الخمسة الأولى لحدوث الكارثة، أنّ مساعداته “الإنسانية” لن تصل أبداً إلى المتضررين والمنكوبين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية السوريّة، قبل أنْ يُضطرّ لاحقاً، أمام الاضطرار الأميركي وتحت وابل من شتائم وغضب وتقزّز ملايين البشر على امتداد العالم، الذين عرّوا هؤلاء وكشفوا زيف “إنسانيّتهم” وشعاراتهم الواهية عن القيادة الإسلامية والأخوّة العربيّة وخلاف ذلك من المصطلحات التي صادرها العصر الأميركيّ وشوّه مضامينها ومعانيها الأصليّة السامية.

حين قال منسّق الأمم المتحدة المقيم في سوريا، المصطفى بن المليح، “ضعوا السياسة جانباً ودعونا نقوم بعملنا الإنسانيّ” لأننا في الوقت الذي نتفاوض فيه، سيكون قد قضي الأمر بالنسبة لآلاف البشر القابعين تحت الركام.

كانت قافلة المساعدة التي أطلقتها الحكومة السورية، بالتعاون وبمرافقة الهلال الأحمر الإماراتيّ، تقف عند معبر “سراقب” بانتظار السماح لها بدخول مناطق الشمال السوريّ المحتلّة من القوات التركية والفصائل المسلّحة العاملة لديها.

وكان قادة تلك الفصائل، وفي مقدّمهم قائد تنظيم “القاعدة” الإرهابيّ، أو ما سُمّي لاحقاً بـ(هيئة تحرير الشام)، أبو محمد الجولاني، وعشرات الناشطين السوريين في الشمال، ومثلهم من دعاة الوهّابية والتكفير في البلدان العربية (الخليجية تحديداً)، ودُعاة “الحرية والثورة” من الناشطين والإعلاميين العرب، يقومون بحملة محمومة لمنع وصول أيّ مساعدة إنسانية إلى المنكوبين في الداخل السوريّ، أو التعاون مع الدولة السوريّة في موضوع الإغاثة والمساعدات.

وبلغ الأمر ببعض هؤلاء نشر مقالات في كبريات الصحف الأميركية، تدعو إلى عدم رفع الحصار عن سوريا، والامتناع عن تسليم أيّ مواد إغاثية إلى الحكومة السورية الشرعية أو من خلالها إلى الشمال، والاكتفاء بإغاثة المتضررين في مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة.

وقد أعلنت بالفعل بعض الجهات الغربية والدولية، أنها تتفاوض مع قيادات الفصائل في الشمال، حتى تلك التي تصنفها إرهابية بوضوح، ومنها الجولاني نفسه الذي تسعى أطراف دولية وعربية وإقليمية إلى تعويمه و”شرعنته” كقائد سياسيّ يجب الحديث والتفاوض معه.

وعلى ضفّة أخرى من الكارثة، لم تتوان “الإدارة الذاتية” التي ترعاها واشنطن في الشرق السوريّ، عن الإمعان بدورها في الاستغلال السياسيّ للمصيبة، إذ أصرّت على وجوب وصول المساعدات التي أرسلتها، والتي تضمّنت عدداً من صهاريج النفط السوريّ المنهوب وشاحنات محمّلة بالمواد الغذائية، إلى مناطق محددة دون أخرى في حلب وريفها، بادّعاء وجود كرد في تلك المناطق، كما أصرّت على رفع علم “الإدارة الذاتية” الانفصاليّ على تلك الشاحنات، وبدأت برشق دمشق، كما فصائل الشمال المسلحة، بالاتهامات بمنع وصول المساعدات، في محاولة لتمرير أهدافها الواضحة من خلال تلك “الخطوة الإغاثية” المجبولة بالسياسة وأجنداتها.

وعلى تلك الضفة أيضاً، حيث قوات الاحتلال الأميركيّ هي الآمر الناهي، أطلّ تنظيم “داعش” برأسه من تحت ركام الدمار السوريّ، وتحت نظر القوات الأميركية التي ترصد ذباب وعقارب البادية السورية الموصولة بقاعدة “التنف”، وأغار على عشرات المواطنين السوريين الذين خرجوا في هذه الظروف القاهرة لالتقاط لقمة عيشهم من بين رمال الصحراء ( موسم الكمأة )، فقتلت وأسرت العشرات منهم، بينهم نساء وأطفال، في حادثةٍ يرى العديد من السوريين أنها إحدى وسائل وطرق الولايات المتحدة الأميركية في الإيغال في الجرح السوريّ والإمعان في مشروع تدمير بلادهم.

بعد أكثر من أسبوع على الزلزال المدمّر الذي أضاف إلى الحرب الأميركية على سوريا، طبقات جديدة من المآسي والعذابات، لا تزال بعض الحكومات العربية التي كانت من أكبر المتسببين في الخراب السوريّ، تقف على عتبة العداء لسوريا، وتستخدم اللغة السياسية التحريضية المدمّرة ذاتها التي دأبت على استخدامها لأكثر من عشر سنوات، من دون أنْ يحرّك كل هذا الألم بعض نوازعها الإنسانية المُدّعاة، وهي الحكومات التي تُحاضر بالحرية والإنسانية على مدار الساعة عبر قنواتها الإعلامية والسياسية، هذا على الرغم من أنّ الغرب نفسه، بما فيه إمبراطورية الكذب والخراب الأميركية، قد فارقت هذه اللغة، ولو رياءً ووقاحة، تحت وطأة الكارثة.

صحيح أنّ العديد من السوريين يرجون أنْ تكون هذه الكارثة ختام آلامهم لهذه المرحلة، وأنْ تفتح الباب أمام عملية كسر الحصار المفروض عليهم، خصوصاً وهم يرون بعض الدول العربية ( وفي مقدّمها الجزائر والإمارات والعراق ولبنان ومصر والأردن وعُمان وليبيا وتونس وغيرها) وبعض دول العالم تُبادر إلى الحضور لإغاثتهم، ضاربة بعرض الحائط قوانين الحصار الأميركي والغربي، وأنّ الاتحاد الأوروبيّ قد انصاع أخيراً وأعلن استعداده لتقديم المعونة بعد تقديم الدولة السورية طلباً رسمياً عبر آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي ( وكان هذا شرطاً أوروبياً للمساعدة، إذا استثنينا إيطاليا التي بادرت لإغاثة السوريين عبر مطار بيروت، ولم تنتظر أيّ طلبات).

لكنّ الأمل بالخلاص السوريّ بهذه الطريقة، ضعيف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مدى وحشية الولايات المتحدة في التعامل مع سوريا ومع الدول التي تتحالف معها، وحتى مع الدول التي بادرت إلى الإغاثة فوراً، كالعراق التي وُجّهت له ولقوافله رسالة “داعش” الأميركية الأخيرة.

والأمل يكمن فقط في مدى قوة السوريين وتماسكهم بعد هذه الكارثة، وإيمانهم أنّ العداوات بين أبناء الوطن الواحد لا تؤدي سوى إلى الدمار، خصوصاً أنّ الزلزال لم يُفرّق بينهم في الألم والخراب أبداً.

ثم على حلفاء سوريا الذين يصمدون بقوة إلى جانبها، وعلى رأسهم إيران وقوى المقاومة في المنطقة، ثم روسيا والصين وبعض الدول العربية التي ينتظر منها السوريون أنْ تذهب أبعد في الانفتاح عليهم وكسر الحصار السياسيّ والاقتصاديّ الذي يخنقهم تماماً وفي هذا تحديداً، يبدو الأمل قابلاً للتحقّق، إذا ما وضعنا نموذج الجزائر المشرّف، وموقف الإمارات القويّ، وبعض الظروف الدولية المؤاتية، في قياسٍ مع الوقائع والاحتمالات واستشرافات المستقبل القريب المستندة على كل تلك المعطيات.

 

سيرياهوم نيوز 4_الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سوليفان إلى الرياض: لا مقايضة بين الصفقة الدفاعية.. والتطبيع!

ترجمة منى فرح   هل تحظى السعودية بصفقتها الدفاعية التاريخية المرتقبة قريباً مع الولايات المتحدة من دون تطبيع مع إسرائيل؟ هذا ما يجيب عنه ستيفن ...