آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » زلزال سورية: شرق أوسط جديد أم تسوية؟

زلزال سورية: شرق أوسط جديد أم تسوية؟

 

 

 

ناصر قنديل

 

 

– مع الإعلان الروسي عن وصول الرئيس السوري المتنحّي عن الرئاسة الدكتور بشار الأسد، ومنحه اللجوء السياسي وتوزيع صورة له من موسكو، مرفقة برواية أنه تنحّى عن الحكم ضمن تسوية تتيح تسليم الدولة السورية لصيغة تكون المعارضة المسلّحة وعلى رأسها حركة تحرير الشام في قلبها، منعاً لتقسيم سورية ودخولها في حرب أهليّة لا نهاية لها، وبالتوازي ظهور مواقف روسية وايرانية توحي بالانفتاح على الصيغة الجديدة للحكم ومحاولة مدّ الجسور معها، لا بدّ من السؤال عن مدى صحة توصيف الزلزال الذي عصف بسورية وعبرها بالمنطقة بالتسوية الدولية الإقليمية الكبرى؟

 

– ربما نكون أمام تسوية ما قبل الانهيار، وبالتالي تسوية من موقع الضعف بالنسبة لإيران وروسيا، لكننا لسنا أمام تسوية متوازنة. والواضح أن إيران وحزب الله أصبحا خارج سورية، وأن طريق إيران إلى المقاومة في لبنان باتت مقطوعة، كما هو واضح أيضاً أن تسليم صيغة هجينة الحكم في بلد حساس مثل سورية لا تعبّر عن تسوية، ومستقبل القوات الروسيّة في سورية مرهون بتوازنات سوف تحكم مستقبل تشكيل الحكم الجديد في سورية، ولا تكفي هنا الضمانات التركيّة، وتسوية الضرورة هي نوع من الهزيمة ولو بأقلّ الخسائر.

 

– المعارضة المسلّحة وفي قلبها جبهة النصرة لم تنتصر، لكن حلف مساندة الرئيس السوري المتنحّي بشار الأسد هُزِم، وخروجه من الحكم ليس إلا جزءاً من هزيمة جامعة، ولعل التوسّع الذي قام به بنيامين نتنياهو بإرسال قواته لتحقيق حلم تاريخيّ بوضع اليد على قمة جبل الشيخ، أحد تعبيرات الهزيمة، وليس واضحاً بعد كيف حدثت الهزيمة، وما هو سبب قرار الجيش السوري عدم القتال، وتنفيذ انسحابات متدحرجة عندما تحدّد الجماعات المسلحة ساعة الدخول إلى أي من المدن الكبرى، وهو ما كان قابلاً للتفسير في حلب وحماة، لكنه كان فاقعاً بصفته عملية تسليم وتسلّم في حمص ولاحقاً في دمشق.

 

– لا أحد يعلم ما إذا كان ثمّة دور روسيّ أو أميركي أو خليجيّ في قرار الجيش، ولا أحد يعلم ما إذا كان الرئيس الأسد شريكاً بالقرار، لكن ذلك صار شيئاً من الماضي، والحاضر ضبابيّ، لكن ماذا عن المستقبل، والواضح أن الأميركيّ بلسان الرئيس جو بايدن يدعو حركة تحرير الشام إلى نيل الرضا الإسرائيلي لرفع اسمها من لوائح الإرهاب وتسهيل تسلمها الحكم، وربما الإسراع برفع العقوبات عن سورية، الواضح أيضاً أن لدى الإسرائيلي جدول أعمال يتجاوز حدود قطع طريق إيران لبنان وخروج إيران من سورية، ويطال شهيّة مفتوحة بالشراكة في صياغة مستقبل سورية، مع تصريحات واضحة حول الحديث عن حرص إسرائيلي على حماية ما يصفه المسؤولون الإسرائيليّون بالـ “خصوصية الدرزية والكردية”، إضافة إلى نيات توسعية علنية سبقها إعلان ضمّ الجولان، فهل يستطيع الحكم الجديد مقاومة الإغراء الأميركيّ المشروط بالرضا الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه مقاومة الشهية الإسرائيلية العدوانية على سورية؟

 

– إلى جانب التبنّي الأميركي والإسرائيلي للخصوصيّة الكردية، يقف القلق التركيّ من نشوء كانتون كردي، ويطرح تلقائياً القلق من خطر التقسيم من جهة، والقلق من الطغيان التركي على المشهد السوريّ من جهة مقابلة، وتركيا ليست روسيا ولا إيران البعيدتين عن الجغرافيا السورية، بل هي دولة تملك حدوداً تمتدّ على تسعمئة كلم مع سورية، وتتداخل معها ديمغرافياً، وهي قامت قبل عقود بضمّ لواء الاسكندرون وصرّح قادتها بنيتهم ضمّ حلب باعتبارها كما قالوا جزءاً تاريخياً من تركيا، فهل يملك الحكم الجديد لسورية قدرة مواجهة هذه الإشكاليّات، وهو مقيّد بالثلاثيّة الأميركيّة الإسرائيليّة التركيّة؟

 

– يترافق مع كل ذلك قلق عدد من الدول العربية التي يسعى الحكم الجديد للحصول على علاقات جيدة معها، سواء لتأمين استقرار سياسيّ أمنيّ كحال العلاقات بدول الجوار مثل العراق والأردن ولبنان، المتخوّفة من تداعيات تتصل باستنهاض حركات متطرفة تهدّد أمنها، أو العلاقات بدول تملك القدرات الماليّة طلباً لدعمها اقتصادياً، وفي مقدّمتها دول الخليج، وهي لا تُخفي توجّسها من تركيبة القوى التي سوف يتكوّن منها الحكم الجديد؟

 

– ثمة تحديات داخلية من نوع مستقبل العلاقة بين مكوّنات الجماعات المسلحة التي كان يجمعها مشترك واحد هو العداء للرئيس بشار الأسد، فماذا بعد زوال هذا المشترك ومنافسات وسباق السلطة، واحتمال تفجّرها نزاعات مسلحة؟ وماذا عن القدرة على ضبط الأداء المنسجم مع شعار التسامح الذي أطلقه قائد حركة تحرير الشام، وما يستدعي النهوض بأعباء الحكم من حفاظ على بنية الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها الجيش، ومخاطر الدخول في المسار العراقيّ الذي فرضه بول بريمير على العراق فتركه بلا جيش ولا دولة، رغم مؤشر إيجابيّ ظهر بتكليف رئيس الحكومة بمواصلة مسؤولياته في تسيير أعمال الدولة ومؤسساتها؟

 

– زلزال الشرق الأوسط الجديد بدأ، والتسوية سقفها أن تشكل كوابح ظرفيّة لمخاطره، فهل تنجح بالثبات أمام التجاذبات الداخلية والإقليمية والدولية التي تفرضها التحديات؟

(اخبار سورية الوطن 2-البناء)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لماذا لم يُغادر الأسد دِمشق ونجزم بأنّها حرب ستطول وقد تتمدّد وكيف سيُغيّر وصول ألفيّ مُقاتل من “حزب الله” الكثير من المُعادلات؟ وما هي المواقف الإيرانيّة والروسيّة المُتوقّعة؟

عبد الباري عطوان لا نتّفق مع الكثير من الآراء التي تقول بأنّ معركة حمص الوشيكة ستُحدّد حاضِر الصّراع الرّاهن ومُستقبل القيادة السوريّة، باعتبارها المدينة التي ...