عبد اللطيف شعبان
جرت العادة خلال سنوات حكم السلطات القديمة في النظام السابق أن يتم رفع الكثير من أسعار السلع والخدمات لأشهر وسنوات، أكان منها مايخص السلع المعنية بها الحكومة أو المعني به القطاع الخاص انتاجا واستيرادا، وعندما تستفحل زيادات الأسعار ويشتد التذمر الشعبي تقرر الحكومة زيادة الرواتب – تحت عنوان مكرمة – بنسبة تغطي فقط جزءا من زيادات الأسعار السابقة، والمفاجأة الكبرى التالية تتجلى بزيادات أسعار جديدة عقب زيادة الرواتب، ما ترتب عليه أن يصبح ما دخل الجيب في عالم الغيب.
واقع الحال نحن أمام زيادة جديدة أتت أيضا بعد زيادات كبيرة في الأسعار أرهقت المواطن لأشهر، ولكن الجديد في الأمر أنها لم تصدر تحت عنوان مكرُمة، وتميزت بأنها كبيرة قياسا بسابقاتها، بحيث كاد المستفيدون منها أن ينسوا خلال أيامها الأولى ماعانوه في أشهر سابقة من زيادات كبيرة في الأسعار( الخبز – المحروقات – أجور النقل … )، رغم أن هذه الزيادة هي نصف الزيادة الموعودة سابقا، ولكن لا زال الأمل قائما / حسب الوعود / بتحقق الفارق لاحقا.
والجديد الأهم أن المستفيدين من الزيادة توقعوا أن تتجنب الحكومة الوقوع في أخطاء سابقاتها بحيث لا تعمد لزيادة أسعار السلع بما يستهلك هذه الزيادة، وكان التوقع في مكانه، فقد بادرت الحكومة لدراسة خفض أسعار المشتقات النفطية التي تستخدمها المنشآت الصناعية لكي لا تضطر هذه المنشآت لرفع أسعار منتجاتها، إذ اكد الدكتور نضال الشعار وزير الاقتصاد والصناعة انه يتم العمل لتأمين الغاز الصناعي بسعر مدعوم مع تخفّيض سعر الفيول الصناعي والكهرباء الصناعية لتلبية احتياجات المنشآت الإنتاجية وضمان استمرارية عملها لدعم الانتاج الوطني ، واضاف إن هذه الخطوات تندرج ضمن سياسة اقتصادية واضحة تتبناها الوزارة، لتحفيز الاستثمار الصناعي، وضمان انسيابية المواد عبر المنافذ البرية والبحرية، بما يُسهم في خلق بيئة اقتصادية مستقرة،
وعقب تأكيد السيد الوزير بأيام صدر قرار جديد بتخفيض أسعار الفيول بنسبة 14% والغاز بنسبة 23% المستخدمين في المنشآت الصناعية، لتخفيف الأعباء التشغيلية ودعم تنافسية المنتجات المحلية وتخفيض تكلفة الكهرباء الصناعية لتمكين الوضع التنافسي للصناعة السورية.
ولكن الملفت للانتباه أنه خلال نفس الفترة اجتمع وزيرا الطاقة والمالية لبحث تعديل تعرفة الكهرباء في سوريا، ومراجعة الرسوم المالية المرتبطة بها ومناقشة إمكانية تعديل تعرفة الكهرباء الحالية لتخفيف العبء المالي الذي تتحمله الدولة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وأكد الوزيران أهمية التنسيق بين الوزارتين لضمان اتخاذ قرارات مدروسة تراعي البعد الاقتصادي والاجتماعي، وتخدم مصلحة المواطن والاقتصاد الوطني في آنٍ واحد، ماولَّد خوف المواطنين / منتجين ومستهلكين / من أن يتم رفع سعر الكهرباء رغم الارتفاع الكبير السابق المشكو منه أواخر أشهر السلطات البائدة.
وبالتالي من المفترض بل المأمول أن يتم تعديل تعرفة الكهرباء الحالية للمنتجين والمستهلكين باتجاه التخفيض على غرار التخقيض الذي طال مستلزمات المنشآت الصناعية من الوقود – الذي يتم استخدام بعضه لإنتاج الكهرباء- لا باتجاه الزيادة المتخوَّف حدوثها والمشكو من سابق إجحافها، وضرورة اعتماد طرق ترشيدية مدروسة فنيا وملزمة في استهلاك الكهرباء / صناعيا وتجاريا ومنزليا /، فكثير من مصابيح الإنارة غير ضرورية في أكثر من مكان وزمان، عدا عن حالات تشغيل غير اقتصادية، خاصة وأن بعض الغاز اللازم لتوليد الكهرباء مقدَّم مجانا من دول صديقة.
فمصلحة المواطن والاقتصاد الوطني مترابطان ومن الضروري العمل على تحققهما معا، ومن المفترض بل المستوجب أن يتملَّك المواطن شعور كبير أن الحكومة أقوى منه وألا تمنّنه فيما تقدمه له من واجبات، وأنه يحتاج دعمها أكثر مما هي تحتاج لدعمه، مع لزوم تحقق الحالتين معا كل في ضوء طاقته.
*الكاتب:عضو جمعية العلوم الاقتصادية – عضو مشارك في اتحاد الصحفيين
(موقع أخبار سوريا الوطن-١)