لا تزال أصداء الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر، تتردد، وتتوالى التعليقات والتفسيرات لما بين سطورها، ويبحث المهتمون عما أراده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من وقائعها غير المعهودة.
الزيارة التي وصفها مراقبون بالتاريخية، استمرت من الأحد إلى الثلاثاء، ومنذ لحظتها الأولى تخللتها أحداث غير معتادة في ضيافة القادة السياسيين.
استقبال الرئيس الفرنسي بطائرات حربية مصرية من طراز رافال، مع دخول طائرته الرئاسية للأجواء المصرية، استرعى انتباه ماكرون الذي يزور مصر للمرة الرابعة، ودفعه لنشر تغريدة عبر صفحته الرسمية على منصة “إكس”، مصحوبة بمقطع فيديو لإحدى الطائرات الحربية، قال فيه: “الطائرات الرافال المصرية، رمز قوي لتعاوننا الاستراتيجي”.
قدمت تلك التغريدة تفسيراً للواقعة، عفى كثيرين من محاولة فهم دلالاتها، لكن ثمة تفاصيل أخرى، تُركت لتخمينات المتابعين.
من أبرز الوقائع الجولة التي قام بها الرئيسان سيراً على الأقدام في منطقة الحسين التي تعد إحدى المناطق التاريخية والشعبية الأكثر ازدحاماً في القاهرة، وكذلك استقلالهما مترو الأنفاق، وهو أيضاً من أكثر وسائل المواصلات اكتظاظاً بالمواطنين، ثم الذهاب لمدينة العريش المتاخمة لحدود غزة، وزيارة الجرحى الفلسطينيين الذين تقوم مصر بعلاجهم في مستشفياتها.
مغزى الزيارة
ربما يساعد الهدف الأساسي من الزيارة في فهم دلالات تفاصيلها. الهدف الأوضح هو النقاش بشأن تطورات منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمها ما يجري في قطاع غزة، وخطط تهجير سكانه، وعقد قمة ثلاثية في هذا السياق، ضمت السيسي وماكرون والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وقد تخللها اتصال هاتفي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل دقائق من اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وهو اجتماع أكدت تقارير عبرية أنه “أفشل اجتماع بين ترامب ونتنياهو”.
ثمة أهداف مهمة أخرى للزيارة، ومنها التعاون الثنائي بين القاهرة وباريس وتطوير مستوى العلاقات، وكذلك مناقشة قضايا ذات اهتمام مشترك تتعلق بالأمن في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي، وحرية الملاحة في البحر الأحمر.
ويقول المحلل السياسي الدكتور عمرو حسين لـ”النهار”: “تأتي الزيارة في وقت تمر المنطقة بظروف بالغة الأهمية، حيث استأنف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على غزة، وينفذ سياسة تجويع وإبادة جماعية ضد سكان القطاع، ويمنع المساعدات الإنسانية من الدخول إليهم”.
شركاء وداعمون
ويضيف: “حاولت مصر أن تبعث رسائل بأن لديها شركاء يؤيدون الخطة العربية للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، وأن من أهم هؤلاء الشركاء الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً فرنسا”.
مصر شريك استراتيجي وصديق تاريخي لفرنسا. جئت إلى القاهرة لأؤكد مجددًا رغبتنا في بذل المزيد من الجهود معًا في جميع المجالات. سعيد جداً بالمضي قدمًا مع الرئيس السيسي من أجل ازدهار بلدينا.
كانت القاهرة صاغت تلك الخطة لطرح حل بديل لمقترح الرئيس الأميركي الذي يقضي بتهجير سكان القطاع، وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وأقرت القمة العربية بالقاهرة الخطة، ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي، كما حظيت بقول قادة أوروبيين، منهم ماكرون.
ويرى حسين أن “مصر نجحت خلال استقبالها ضيفها رفيع المستوى أن تبرز صورة قوية جداً لرفض الشعب المصري لخطط تهجير سكان غزة، وتصفية القضية الفلسطينية”.
المظلومية
ركز كثير من المحللين والمواطنين بشكل كبير على زيارة الزعيمين إلى “الحسين”، والتي أحدثت ردود فعل وتعليقات نمّت عن الإعجاب، وخصوصاً حديث السيسي – وهو من مواليد حي الجمالية في “الحسين” – عن معايشته لليهود الذين كانوا يسكنون بجوار مواطنيهم المصريين.
وقال الرئيس المصري: “أنا ولدت هنا، وحضرت اليهود والإنكليز والأرمن”.
ويرى هؤلاء أن حديث السيسي جاء لدحض السردية التي يروجها أنصار الحركة الصهيونية بأن إسرائيل تعيش في وسط معادٍ لليهود، وأن العرب لا يريدون السلام معهم.
نشر محمود عيسوي، عبر “فايسبوك” تدوينة لقيت انتشاراً واسعاً، وتمت مشاركتها بضعة آلاف من المرات، جاء فيها أن “السيسي قال لماكرون أنا سأصطحبك للمكان الذي تربيت فيه، والذي عاش فيه اليهود جنباً إلى جنب مع المسلمين والمسيحيين، من دون أي مشاكل. لذا بدأ ماكرون الحوار بـسؤال: هل كانوا (أي اليهود) يعيشون هنا؟”. ويرى عيسوي أن “هذا ينسف الرواية الإسرائيلية”.
أغادر مصر بعد ثلاثة أيام مؤثرة. رأيت فيها نبض القلوب. في ترحيبكم الكريم. في قوة تعاوننا. في الدعم الذي نقدمه معًا لأهالي غزة. في العريش، حيث يقاوم الأمل الألم. شكرًا لكم. تحيا الصداقة بين شعبينا!
في اليوم الأخير لزيارة ماكرون سافر بصحبة السيسي إلى العريش، وزارا الجرحى الفلسطينيين واستمعا إليهم، وشكلت ملامح وجهيهما التي بدت عليها درجة كبيرة من التأثر والحزن مادة خصبة للتعليقات والتحليلات التي اعتبر بعضها أن هذه الزيارة تلفت أنظار العالم للأزمة التي يعيشها نحو مليوني فلسطيني، فيما اعتبرها آخرون دليلاً على ضغف أوروبا، التي لم يملك أحد أهم قاضتها سوى إبداء التعاطف، وليس الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار