آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » سؤال مُلحّ بعد الزلزال: ماذا يعني فقدان البيت وذاكرة المكان؟

سؤال مُلحّ بعد الزلزال: ماذا يعني فقدان البيت وذاكرة المكان؟

| غفران مصطفى

ملايين السوريين والأتراك شرّدهم الزلزال. لم يرافقهم في هجرتهم غيرُ عدد من أفراد أُسرهم، مثّلوا لهم عزاءً موقتاً. وبفعل الزلزال، المكان الذي كان يضمّ العائلة انتهى. وهنا يُطرح سؤال: هل الإنسان أصلاً غير ذاكرة؟ أو ما الذي يُفسّره الارتباط بالبيت والعائلة؟

في اللحظة، التي وقع زلزال سوريا وتركيا، ثمّة شرخ حدث بين النّاجين ومنازلهم، من جرّاء الدمار الهائل الذي خلّفه. انفصل الناس عن مساحاتهم الآمنة بعد أن سُوّيت آلاف المنازل بالأرض. لم يكن السؤال عن معنى فقدان الإنسان بيته مُلحّاً في الأيام الأولى، بعد أن كان العالم مشغولاً بنجاة من ضربهم الزلزال، وأن يجد المسعفون أحياءً تحت الأنقاض. لكن، اليوم، بعد أن شارفت عمليات الإنقاذ على الانتهاء، عاد السؤال الملحّ: ماذا يعني فقدان البيت وذاكرة المكان؟

تتباين حيثيّات المشهد بين سوريا وتركيا، إذ إنّ سوريا عاشت تجربة الدمار في الحرب المتواصلة منذ 12 عاماً. وعلى الرغم من أنّ حجم الكارثة في الزلزال كان هائلاً، لكنّها لم تكن جديدة على بلاد عاش فيها آلاف السوريين تجربة النزوح وإخلاء البيوت والغربة عن المكان. كأنها كانت تهيئة متراكمة لفقد الأحباء والبيوت، من أجل لحظة كهذه، زلزال يدمر كل شيء في ثوانٍ.

في كتابه “ذاكرة المكان”، يقول ديلان تريغ إن “ذاكرة المكان هي أساس تجربة الإنسان مع العالم، وإنها تصنع فعل المطاردة”، فتجد مَن خرج وهُجّر ونزح يُعيد تشييد أمكنته الجديدة، وفقاً لماضيه. فيصنع ذلك فعل الأمان الذي لا يسلخ الإنسان عن ارتباطه بتعريفاته الأولى، انطلاقاً من المكان والبيئة والعمل والمحيط.

ينظر كثيرون من الناجين إلى عدسات الكاميرات بأعين خاوية. المكان بات واسعاً جداً في الخارج، وبارداً جداً بالنسبة إلى رغبة الإنسان في الاحتواء في لحظات الخوف الشديد. خرجوا إلى الشوارع والمآوي. مفضوحون في حزنهم، فقدوا خصوصية البكاء المنفرد تحت سقف. ولم تتبعهم ممتلكاتهم الشخصية، وإنما ظلوا محاطين بالأصوات التي تُذكّرهم ببيوتهم. تبعهم من نجا، ولم يعد بينهم من مات هناك.

يقول مقال في “واشنطن بوست”، تحت عنوان “ماذا يعني أن تفقد بيتك؟”،  إن حتى الجماد هو جزء من تعريف الذات، إذ إن المنزل، كهيكل، فيه الذاكرة البصرية والذاكرة السمعية، كأصوات حياتنا اليومية، وذاكرة الرائحة والممتلكات الخاصة والمواقف التي لا تعلق في البال منفصلة عن مكانها.

هل الإنسان غير ذاكرة؟

بفعل الزلزال اليوم، فإن المكان الذي كان يضمّ العائلة انتهى. وهنا يُطرح سؤال أيضاً: هل الإنسان أصلاً غير ذاكرة؛ الذاكرة العاطفية وذاكرة المكان. وثمّة سؤال يُطرح أيضاً عمّا يُفسّره الارتباط بالبيت والعائلة؛ البيت الذي نتوق فيه إلى الحماية والحرية في الوقت نفسه؟

عندما تسأل نفسك: ماذا يعني البيت بالنسبة إليّ؟ كيف يستجيب صوتك الداخلي؟ هل تغيرت إجابتك عند السؤال مع تغير حياتك وظروفك؟ لقد تغيرت بالتأكيد، إذ إنّ الإنسان، حين يبدأ بالتعريف عن ذاته، يعود فوراً في البداية إلى ما ينتمي إليه، وأول الأشياء مكانه، حيث وُلد وعاش وتعلّق واحتمت طفولته ونضجت تجربته. يرتاح دوماً في صوغ تعريفاته، انطلاقاً من موقعٍ جغرافي، وخصوصاً إذا كان يتمحور حول ذكرياته الأولى. ويمكن أن يكون البيت رمزاً قوياً للذات. الجزء الخارجي من الهيكل هو ذلك الجزء من شخصيته التي يُظهرها للآخرين. أمّا الداخل فهو ما نفكر فيه ونشعر به، بالإضافة إلى رغباتنا ومخاوفنا اللاواعية.

ويمكن للبيت أن يكون شيئاً مجرداً؛ مكاناً في عقلك. عندما تقول: لنعُد إلى البيت، فربما لا تتحدث ببساطة عن الذهاب إلى الهيكل المادي الذي تعيش فيه، وما يُعرّف بالمنزل. أنت تتحدث عن أن تكون في مكان تشعر فيه براحة أكبر تخصّك.

إلى أين سيرحلون؟

ملايين السوريين والأتراك شرّدهم الزلزال، بحسب تقرير للأمم المتحدة. لم يرافقهم في هجرتهم غيرُ عدد من أفراد أُسرهم، مثّلوا لهم عزاء موقّتاً. ظهر كثيرون منهم، في مقاطع مصوّرة، يبكون بأصوات متهدّجة، كلما التقوا أحد أفراد أُسرهم. كأن شيئاً يبتلعهم من الداخل، فيخرج الصوت مثل لفظ الروح توقاً إلى النجاة من الألم.

ثم، إلى أين سيرحلون؟ إذا كان كل شيء سبقهم في ذلك. فأي موطئ جديد لن يتوازن مع حجم الفقد. لكن، بعد وقت معين، سيجد كل شخص منهم ضالّته من العوض. ولعلّ أقوى أنواعه ألّا يكونوا عابرين في مشاهد بعيدة، عبر الشاشات، متشابهين في شحوب الوجه وآثار الردم والغبار، بل أن نتعرّف إلى أسمائهم.

كل ناجٍ كانت له حكايته من الخسارة، لكنّ ثمة شيئاً مشتركاً بينهم جميعاً، هو البحث عن الاعتراف بأن كل ما خسروه ليس مأخوذاً بالخسارات الجماعية، فلا يكون قصة عابرة في عِداد قصص المأساة الكبيرة، وإنما يحبّ هؤلاء أن يكون ألمهم مُدرجاً ضمن التقارير الإعلامية اليومية، وضمن جدول الإغاثات غير المادية. هل طالب أحد بإغاثة لشخص يريد أن يرتمي على كتف شخص يحبه ويبكي طويلاً؟ فليست كل الإغاثات لمواصلة العيش فحسب.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...