عزل مجلس النواب الأميركي، أمس، رئيسه الجمهوري، كيفن ماكارثي، في سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، تجسّد مدى الانقسامات والفوضى التي يعانيها الحزب الجمهوري.
وللمرة الأولى في تاريخه الممتدّ على 234 سنة، صوّت مجلس النواب بأغلبية 216 صوتاً، مقابل 210، لصالح مذكرة، طرحها الجناح المتشدّد في «الجمهوري»، وتنصّ على اعتبار «منصب رئيس مجلس النواب شاغراً».
وتأتي هذه النتائج بعدما صوّت ثمانية نواب جمهوريين، إلى جانب الأقليّة الديموقراطية في مجلس النواب، لصالح عزل رئيس المجلس الجمهوري، الذي أثار غضب الجناح المتشدّد في الحزب، بسبب تعاونه، أخيراً، مع الإدارة الديموقراطية، لتمرير اتفاق مؤقت بشأن الموازنة، بهدف تجنّب إغلاق حكومي.
وتعقيباً على هذه الخطوة، قال النائب الجمهوري، كيلي آرمسترونغ: «سنبقى رهائن لدى أقلية صغيرة من الجمهوريين، إلى حين تغيير القواعد في مجلس النواب»،
وبعدما أصبح المنصب شاغراً، اختار مجلس النواب، النائب الجمهوري، باتريك ماكهنري، من ولاية كارولينا الشمالية، لقيادة المجلس مؤقتاً. وبعد ساعات من تعيينه، اتهمت رئيسة «النواب» السابقة، نانسي بيلوسي، أمس، ماكهنري بتوجيه أوامر لها بإخلاء مكتبها في مبنى الكابيتول، عبر رسالة بالبريد الإلكتروني.
أنصار ترامب
وجرى التصويت بناء على مذكّرة قدّمها، الإثنين، النائب عن فلوريدا، مات غايتس، الذي ينتمي إلى الجناح اليميني المتشدّد الموالي للرئيس السابق، دونالد ترامب، لعزل رئيس مجلس النواب.
أمّا سبب غضب المحافظين المتشددين العارم من خطوة مكارثي الأخيرة، فهو اعتبارهم أنّ الأخير حرمهم فرصة «فرض تخفيضات هائلة في الميزانية».
وفور صدور نتيجة التصويت، سارع عدد من النواب الجمهوريين إلى الإحاطة بماكارثي (58 عاماً)، الذي لم يصدر عنه أيّ تعليق فوري، بل اكتفى برسم ابتسامة على وجهه، وتبادل وإياهم العناق والمصافحة.
وما لبث ماكارثي أن عقد مؤتمراً صحافياً، أمس، أعلن فيه أنّه لن يترشّح للمنصب الذي عُزل لتوّه منه، حتى وإن كان النظام الداخلي لمجلس النواب يسمح له بذلك.
وتابع: «لقد كنت الرئيس الخامس والخمسين لمجلس النواب، وهذا شرف من بين الأعظم. لقد أحببت كل لحظة قضيتها في هذا المنصب»، مشدّداً في الوقت نفسه على أنّه «متفائل» رغم كل ما حصل له، ومشيداً بـ«الإنجازات» التي تحققت في الفترة الماضية.
وبهذا، يكون مكارثي قد حُرم من إتمام عامه الأول في رئاسة مجلس النواب، إذ إنّه انتُخب في هذا المنصب في كانون الثاني، بعد مفاوضات شاقة ومضنية، تعيّن عليه خلالها تقديم تنازلات كبيرة لحوالي عشرين نائباً من أنصار ترامب، بما في ذلك أن يتمكّن أيّ نائب، ساعة يريد، من أن يدعو إلى إجراء تصويت لتنحيته، وهو ما فعله غايتس في النهاية.
وكانت قيادة الحزب الجمهوري قد حذّرت نواب الجناح المتشدّد من إغراق الحزب «في الفوضى»، لكنّ غايتس، الذي اشتكى مراراً من عدم احترام ماكارثي الاتفاقات المبرمة مع المحافظين، ردّ قائلاً إنّ «الفوضى هي رئيس مجلس النواب ماكارثي»، متابعاً، بعد التصويت، أنّ «سبب سقوط كيفن ماكارثي اليوم هو أنّه لا أحد يثق به»، لاسيما بسبب وعوده «المتناقضة».
انتخاب رئيس جديد
ويشرّع عزل ماكارثي الباب أمام منافسة غير مسبوقة لخلافته قبل عام من الانتخابات الرئاسية. وفي هذا الإطار، دعا الرئيس، جو بايدن، إلى المسارعة لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب. وجاء في بيان للمتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان-بيار، أنه «نظراً إلى أنّ التحدّيات الملحّة التي تواجه بلدنا لا تنتظر، يأمل (الرئيس) بأن ينتخب مجلس النواب رئيساً له سريعاً».
لكنّ المهمة تبدو معقدة بالنسبة إلى الجمهوريين، الذين سيجتمعون الثلاثاء المقبل، أي بعد أسبوع، للاتفاق على مرشّح جديد، على أن يتمّ التصويت لانتخابه في اليوم التالي.
محاولة لمنع العزل
ورفض الديموقراطيون إنقاذ رئيس مجلس النواب، الذي يتّهمونه بالتراجع عن اتفاقات أبرمها مع إدارة بايدن، ولاسيّما بشأن مستوى الإنفاق في الميزانية الفدرالية. ووصف «الائتلاف الديموقراطي الجديد»، وهو كتلة من المشرعين الديموقراطيين المؤيدين لقطاع الأعمال، ماكارثي بأنّه «ببساطة غير جدير بالثقة».
وعلى إثره، كان عزل ماكارثي يبدو شبه محتوم، بعدما شجّع زعيم الأقليّة الديموقراطية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، نواب الحزب على الإطاحة برئيس المجلس.
وعلى الرغم من أنّه جرى تصويت أوّلي على مقترح لـ«تأجيل النظر» في مذكرة غايتس، ما يعني عملياً «وأد محاولة الإطاحة برئيس المجلس»، فإنّ جيفريز طلب من النواب الديموقراطيين التصويت ضدّ هذه المبادرة.
وبالفعل، التزم كلّ النواب الديموقراطيين بتوصية جيفريز، وكذلك فعل 11 نائباً جمهورياً متمرداً، فسقط مقترح وأد مذكرة العزل.
رد ترامب
واستدعى خروج هذه الصراعات الداخلية، التي تمزّق الحزب الجمهوري إلى العلن، ردّاً من ترامب. وقال الرئيس السابق، على منصّته «تروث سوشل» للتواصل الاجتماعي: «لماذا يقضي الجمهوريون وقتهم في الجدال في ما بينهم؟ لماذا لا يقاتلون الديموقراطيين اليساريين المتطرّفين الذين يدمرون بلادنا؟».
يُشار إلى أنّ آخر تصويت أجراه مجلس النواب الأميركي لعزل رئيسه يعود إلى أكثر من قرن من الزمن، في حين أنّها المرة الأولى على الإطلاق التي يطيح فيها المجلس برئيسه.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار