نبيه البرجي
بانتظار أن يقطعوا رأسي، كما قضت الفصائل الهمجية في سوريا، أقول أن اغتيال السيد حسن نصرالله، لم يكن اغتيالاً لشخص، أو لحزب، أو لطائفة. هو اغتيال للقضية التي أعطاها، بنقائه، وبرؤيته، البعد العربي، والبعد العالمي، بعيداً عن البعد الفولكلوري للقمم العربية، وللقرارات العربية، وبعيداً عن بهلوانيات تلك القيادات الفلسطينية التي عرفناها في لبنان ان بالأداء البهلواني أو بالتنقل بين ليل الثريات وليل الغانيات.
ساعة اغتياله، في نظر تل أبيب، ساعة تغيير الشرق الأوسط. هل تتصورون أنه ليس باستطاعة الولايات المتحدة الضغط على بنيامين نتياهو لوقف النار، وهو الذي ينفذ، خطوة خطوة، الاستراتيجية الأميركية، حول “الشرق الأوسط الكبير”، أو حول “الشرق الأوسط الجديد”، ليعاد بناء الهيكل بجماجم اللبنانيين، وبجماجم الفلسطسينيين، بل بجماجم كل العرب ؟ يا عرب…
الأميركيون حالوا دون حليفهم رجب طيب اردوغان. العضو الأطلسي والحارس الأمين لقاعدة انجرليك التي توجد فيها 50 قنبلة نووية، واحداث أي تغيير في الشرق الأوسط. حالوا ايضاً دون آية الله خميني الذي أعلن العداء لهم، والتمدد الجيوسياسي في المنطقة الا على الخراب.
وها أن أبواب الدم، تفتح أمام بنيامين نتنياهو (الصبي الأميركي) لتغيير المسارات الاستراتيجية، والتاريخية للمنطقة، تبعاً للتأويل الماورائي للنص التوراتي، بعدما كان عمرو موسى، بديبلوماسية فيفي عبده، أو بديبلوماسية تعيمة عاكف (لهاليبو يا ولد) قد رأى، في دردشة مع وزير خارجية لبناني، أن الوقوف في وجه أميركا اشبه ما يكون بالرقص على صفيح ساخن. الأحرى بالرقص على فوهة البركان. آية الله خامنئي قال ان مساندة غزة “واجب على حزب الله”. على الحزب وحده في بلد على حافة الهاوية؟
ندرك جيداً ما يعنيه دونالد ترامب بتشبيهه الصراع بين ايران واسرائيل بـ”المشاجرة بين طفلين في فناء المدرسة… وعليك أن تدع الأمر يستمر قليلاً ثم ترى ما يحدث”. ولطالما قلنا أن كل الصراعات، في ظل التبعثر الابدي بين بلدان المنطقة، هي لمصلحة الولايات المتحدة.
هنا الفارق الشاسع بين الطفل الاسرائيلي، بالترسانة الأميركية الهائلة، وبالاستقاطاب الدولي المترامي، والطفل الايراني، بالحصار الجهنمي الذي يمنع عنه حتى الهواء. لنأخذ علماً بألاّ مجال لوقف النار قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في 5 تشرين الثاني المقبل.
قرار المقاومة هو المقاومة. الاسرائيليون يراهنون على الضربات في الظهر، أو في الخاصرة، بالتدمير المنهجي لما يدعى “البيئة الحاضنة”. واذا كان الاسراائيليون يعتبرون أن باستطاعتهم أن يفعلوا بـ”حزب الله” ما فعلوه بحركة “حماس”، يلاحظ الأميركيون وجود فروقات بنيوية بين الحالتين. هم من يتحدثون عن “الوهج اللبناني”، وعن المناطق الآمنة التي لا تتوفر، في أي حال، في قطاع غزة. ناهيك عن ترسانة الحزب التي تختلف نوعاً وكماً عن الامكانات المحدودة لدى “حماس” التي يحاصرها الاسرائيليون براً، وجواً، وبحراً، ومع اعتبار التضاريس الطبيعية التي حملت حتى معلقي اليمين على الحديث عن الظهر، والظهير، الصخري لـ”حزب الله”.
لكن نتنياهو الذي يعتقد أنه دخل التوراة، وليس فقط التاريخ، باغتيال قائد المقاومة الذي لا يزال في صدر كل مقاوم، انما شق الطريق الى تصفية كل أعداء اسرائيل لتتشكل ليس فقط معادلات، وعلاقات، بديلة في الشرق الأوسط، بل وخارطة بديلة للشرق الأوسط ايضاً. ولكن مثلما قتلت الأوهام كبار الطغاة في التاريخ، لا بد أن تقتله أيضاً برهانه على اقامة “أمبراطورية يهوه”.
لفتتني عبارة “عولمة اللامبالاة”، وقد ورد في بيان السينودس الذي عقد أخيراً في الفاتيكان. أي عالم الآن حين يكون عالم اللامبالاة، خصوصاً في ذلك الغرب، الذي يتغنى بتراثه الفلسفي، والذي غسل يديه من كل الحروب التي خاضها على امتداد ألف عام؟
وسط هذا الاعصار، هل من خيط ديبلوماسي في الأفق ؟ كلام عن التقاطع بين الاتصالات الديبلوماسية والاتصالات السياسية، لتكون الخطوة الأولى في الانتظام الدستوري، وفي الانتظام الوطني (لا الطائفي)، انتخاب رئيس توافقي نأمل ألا يكون، كما يتردد، تمثالاً من الاسفنج، وان كان هناك من يتخيّل أن ما حدث، ويحدث، قد احدث اختلالاً في موازين القوى ويأتي برئيس كتب على ظهره “صنع في أورشليم” !!
لا بد أن يتغيّر الشرق الأوسط. كيف ؟ الأرض تتكلم..
(سيرياهوم نيوز1-الديار)