سامي كليب :
ما كاد الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي يبدأ عمله العسكري في سورية عند الحدود مع فلسطين في المنطقة المحاذية للجولان، حتى قتلته إسرائيل مع عدد من مقاتلي حزب الله بغارة على محافظة القنيطرة في أواخر العام ٢٠١٤، فردّ حزب الله آنذاك بعملية نوعية استهدفت ٣ عربات داخل إسرائيل وقتل خلالها ٥ من جنودها. كان واضحا مذّاك، ان خرق الخطوط الحمر ممنوع للطرفين، فلا إسرائيل ستسمح لإيران والحزب بتشكيل مجموعات مقاومة في الجبهة الجنوبية السورية المحاذية للحدود، ولا طهران والحزب سيسمحان لإسرائيل بالمساهمة في تغيير المعادلة السورية عبر اسقاط النظام وقطع شريان حياة المحور من طهران حتى بيروت. فكانت سلسلة اغتيالات إسرائيلية لعدد من قيادات حزبية وايرانية، قابلتها سلسلة ردود من الحزب واستمرار في نقل الصواريخ.
طموحات ايران وحزب الله مع الجيش السوري في الجنوب كانت شيئا، ورغبات روسيا كانت شيئا آخر، فالرئيس فلاديمير بوتين الراغب بعلاقات ممتازة مع العرب وإسرائيل وتركيا وايران، كان قد وعد الإسرائيليين بأن بقاءه في سورية هو ضمانة لأمنهم أيضا.
لعبت روسيا الدور المحوري في سحب فتيل الجنوب السوري. ساهمت في تهدئة الجبهة الخطيرة. ضغطت لإنجاح تسويات سليمة عبر المفاوضات مع المسلحين ولكن ايضا مع إسرائيل وأميركا ودول عربية. واستقر الأمر على بقاء نوعين من السلاح المدروس بعناية، أولهما للدولة السورية، وثانيهما لتشكيلات عسكرية من المسلحين المناهضين للدولة، وذلك تحت اشراف فعلي للجيش الروسي. لم تكن تلك التسويات مثالية للدولة السورية وحلفائها الراغبين باستعادة كل الأراضي واعادتها الى كنف الجيش السوري فقط. لكن روسيا كان لها رأي آخر تمليه عليها رغبتها بتخفيف الثمن البشري والعسكري والاقتصادي، ورغبتها أيضا بتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع كافة الأطراف الاقليمية والدولية، وحرصها على طمأنة إسرائيل واستمرارها في دعم الدولة السورية.
حاليا نسمع روايتين :
تقول اولاها : ان التسويات السابقة معرضة للاهتزاز جديا، وان المسلحين في الجنوب أبلغوا القيادة الروسية بأنهم قد يعودون الى القتال، لشعورهم بالتضييق عليهم، وذلك مقابل امتعاض واضح من المحور المؤيد للدولة السورية من عدم استكمال التسوية لصالح القيادة وذلك بسبب الضغوط الروسية.
وتقول ثانيتها: ان إسرائيل وأميركا دخلتا مجددا على الخط، وان الأمور تتجه الى مرحلة الخطر، ويتم التشاور بين مسلحين في الجنوب والولايات المتحدة الأميركية وممولين عرب وإسرائيل، لتشكيل فصيل مُسلح فعلي يكون بمثابة المنطقة الفاصلة بين إسرائيل وسورية ويفرض نفسه كواقع جديد بعد اشتباك مع الجيش السوري وداعميه. ويذهب البعض الى حد وصف هذا الفصيل العتيد ب ” جيش سورية الجنوبي” تيمنا ب ” جيش لبنان الجنوبي” بقيادة العميل أنطوان لحد.
ما علاقة لبنان؟
ثمة معلومات دولية تؤكد بأن إسرائيل راغبة فعلا في جر أيران والحزب الى مواجهة محدودة. هي بحاجة لذلك لخشيتها من مرحلة ما بعد دونالد ترامب، ولخشيتها أيضا من تطوير ايران سلاحها النووي، ولحاجة بنيامين نتنياهو تحويل الأنظار عن الداخل الملتهب بالتظاهرات ضده ( رغم ان البعض يقول ان هذه التظاهرات وكورونا يمنعانه من المغامرة العسكرية)، وهي محتاجة خصوصا الى منع قيام جبهة من جنوب سورية الى جنوب لبنان ضدها بعد ان اقر ترامب تشريع سرقتها للجولان العربي السوري.
اذا صدقت هذه المعلومات حول رغبة إسرائيل بالدفع صوب مواجهة محدودة ولكن شرسة، فهذا يعني أن أي رد من الحزب على قتل أحد مقاتليه مؤخرا في سورية، قد يدفع إسرائيل للرد في العمقين اللبناني والسوري، ذلك ان نتنياهو قال صراحة ان أي عمل يقوم به الحزب ستتحمل نتيجته الحكومتان السورية واللبنانية.
من الجنوب الى الشمال
بموازاة هذا الخطر في الجبهة الجنوبية السورية، يجري تسليط الضوء على خطر آخر في شمال لبنان. وهو ما كرره أمس وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي في حديثه عن احتمال تسلل إرهابيين وعائلاتهم من منطقة ادلب. في تقديرات بعض المعلومات الدولية، أن تركيا ذات العلاقة الجيدة في سورية مع روسية، ستجد دعما اميركيا أكيدا لو دعمت أطرافا في الشمال اللبناني يرفعون الصوت ضد حزب الله ويحاولون ازعاجه عسكريا. فالهدف الأول والأخير لواشنطن وتل ابيب هو الاستمرار برفع الضغوط العسكرية والاقتصادية والسياسية على ايران والحزب للانسحاب من سورية ووقف توريد الصواريخ والتضييق على الحزب في لبنان.
صحيح ان منطقة الشمال بعيدة عن البيئة الحيوية لحزب الله، وان الوصول الى الحزب من هناك دونه عقبات كأداء، وصحيح أيضا ان أي تحرك ذي طابع أمني في الشمال سيدفع الجيش اللبناني للتحرك، وقد يؤازره الجيش السوري عند الحدود وما بعدها ، وصحيح ثالثا ان تركيا تقول مباشرة او عبر سفيرها في بيروت ان ثمة مغالاة في الحديث عن مصالح تركيا في الشمال ، لكن تسليط الضوء على الشمال اللبناني في وقت تصفية الحسابات في الجنوبين السوري واللبناني، وبين تركيا ومصر المدعومة من السعودية والامارات وفرنسا في ليبيا ليس بالصدفة. ففي مثل هذه الأوضاع تُصبح عملية ” اشغال” الخصم أساسية في سياق التحضير لما هو أخطر. وما هو أخطر هذه المرة، هي رغبة إسرائيل في إقامة مناطق عازلة حقيقية في الجانبين السوري واللبناني، عبر فصائل مسلحة في سورية ومن خلال تغيير طبيعة عمل قوات الطوارئ الدولية في الجنوب. فكم من مرة قال نتنياهو في الاسابيع القليلة الماضية انه لن يسمح لايران وحزب الله بالاستقرار في الجنوب السوري، وكم من رسالة حملتها الاتفاقية العسكرية الايرانية-السورية مؤخرا لاسرائيل وربما ايضا لروسيا.
لذلك على الأرجح، تتدخل اطراف عربية ودولية وإقليمية ناصحة، بعدم السماح بتدحرج الأمور نحو خطر أكبر ، ذلك أن بداية التدحرج سهلة، لكن نهايته غير مضمونة للجميع.
سيريا هوم نيوز /4/ موقع 5 نجوم