syriahomenews أخبار سورية الوطن
وائل العدس
منذ أن نشأت الدراما بأنواعها، كان التاريخ أحد أهم موضوعاتها، فكانت نافذة نطل منها على التاريخ ومصادره ومدوناته، تجسد لنا وقائعه بطريقة درامية شريطة صحة الواقعة ودقتها كي تساعد الدراما التاريخية على بناء الذاكرة الجمعية للشعوب والأمم؛ لهذا تختلف عن الأفلام الوثائقية المحكومة بالسرد التاريخي والعرض الأرشيفي الصارم.
خلال العصر الذهبي للدراما السورية، لم يمر عام من دون تقديم أعمال تاريخية عدة عن شخصيات كان لها دور بارز في صناعة التاريخ العربي والإسلامي، أو عن أحداث وفترات كان لها الأثر الكبير في صناعة تاريخنا.
وبشكل أو بآخر فقد ساهمت الدراما التاريخية في إثراء المعرفة بالتاريخ والوعي بأحداثه في بعض الجوانب.
درامانا أنتجت أهم المسلسلات التاريخية على الإطلاق، وتناولت مراحل متعددة من تاريخنا الغني، نذكر منها: «الزير سالم» و«ذي قار» و«صلاح الدين الأيوبي» و«الظاهر بيبرس» و«رايات الحق» و«القعقاع بن عمرو التميمي» و«ربيع قرطبة» و«ملوك الطوائف» و«خالد بن الوليد» و«العبابيد» و«صقر قريش» و«قمر بني هاشم» و«المرابطون والأندلس» و«هولاكو» و«مقامات العشق» وغيرها الكثير.
وقد اعتدنا سابقاً أن نتابع عملاً أو أكثر من الإنتاجات الضخمة، تتناول فصولاً من تاريخنا العربي والإسلامي، بشخصياته وأحداثه، غير أن هذا الزخم قد تراجع لمصلحة أصناف أخرى من المحتوى الدرامي كأعمال البيئة الشامية والاجتماعية.
وثيقة تاريخية
كثيرون يعتبرون أن العمل التاريخي لا يعد وثيقة تاريخية وإنما هو مجرد دراما يتحكم فيها خيال المؤلف مع عدم المساس بالثوابت التاريخية الموثقة، وهذا يستلزم معرفة الكاتب بالفترة التاريخية التي يكتب عنها من جميع الوجوه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي الوقت نفسه، من الممكن أن يصبح وثيقة تاريخية بشرط إجادة صنّاع العمل والتزامهم بالحقيقة كما هي من دون تغيير أو تبديل، حيث لا يجوز التغيير في الأحداث الموثقة.
وللدراما التاريخية مواصفات خاصة في الأسماء التي يجب أن تتصدى لها حتى يخرج العمل بصورة جيدة ويحقق الغرض المطلوب، فهي بحاجة إلى مؤلف دارس للمرحلة التاريخية التي يتحدث عنها، أو الشخصية التي يدور حولها العمل ويعرف أدق التفاصيل عنها، فالتفاصيل الصغيرة التي يمكن اللعب فيها هي التي تفتح باب الخيال لتقديم عمل ناجح، وأن يكون على معرفة بكل ما يتعلق بالفترة التاريخية وعلى وعي بالخلفية السياسية والاجتماعية التي تميز هذه المرحلة حتى يخرج العمل بصورة واقعية.
الدراما التاريخية تعني تحويل مجموعة من الأحداث التاريخية إلى قصة محبوكة الأطراف ذات أبعاد اجتماعية وسياسية يتحكم فيها خيال المؤلف، وعندما تخضع الأحداث التاريخية إلى الخيال لا تتحول إلى وثيقة وتبقى مجرد دراما.
ومن الممكن إدخال أحداث درامية غير حقيقية لتشويق المشاهدين بشرط أن تظل الحقيقة كما هي، حيث إن الأحداث الموثقة والمثبتة لا يجوز التصرف والتغيير فيها ويجب ذكر كل ما يتعلق بها في حين يمكن أن يظهر خيال المؤلف ورؤيته في التفاصيل الصغيرة.
خلفية عميقة
المؤلف المبدع الذي يتوفر في الوقت نفسه على خلفية معرفية تاريخية عميقة، هو الذي يتمكن من تحقيق القيمة الفنية الدرامية ورسالتها الفكرية المعاصرة من دون الإخلال بالوقائع التاريخية الأساسية، وبذلك يحقق عمله قيمة معرفية من جهة، وقيمة إنسانية وفنية من جهة أخرى.
ومع ذلك فإنه يجب التفريق بين سرد الوقائع بأمانة علمية، وبين فهمها وتأويلها، وهذا لا ينطبق على المؤلف الدرامي فقط، وإنما ينطبق على المؤرخ الأول الذي وضع المصدر، وعلى دارس التاريخ المعاصر المتخصص أكاديمياً، إذ إن أياً من هؤلاء لا يمكن أن يدّعي احتكار فهم التاريخ على حقيقته المطلقة، بصورة حصرية تقصي التأويلات الأخرى المحتملة.
العملية الثقافية
تعد الدراما التاريخية عاملاً مهماً في العملية الثقافية ليس فقط باعتبارها تقدم الأعمال التاريخية وإنما لأنها تستهدف النشء من خلال تقديم الأعمال التاريخية من أجل التربية، والمتتبع لحركة التربية حول العالم يجد أن كل الدول تستخدم التاريخ كأعظم الدروس التربوية في تقديمها للنشء، بل تبتكر نظريات ومناهج من أجل التاريخ وتعلمه وتعليمه، لذا فالتاريخ يمتد أثره في كل نفس، وهو علم مملوء بالأسرار لكن تختلف رؤيته، ولكن له قواعد ومنهج، لا يجب البعد عنها، فالتاريخ له منهج تحقيق وقراءة يجب أن تحاول الدراما الاقتراب منه وإلا ستفقد الدراما أثرها في المستقبل وإن كان أثرها أشد الآن.
سيرياهوم نيوز1-الوطن
