علي عواد
في خطابه الأول على الساحة الدولية، أكد نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس خلال قمة العمل حول الذكاء الاصطناعي في باريس، التي جرت في 10 و11 شباط (فبراير) الحالي، أن الولايات المتحدة ستتبنى نهج «أميركا أولاً» في مجال الذكاء الاصطناعي. شدّد على سعي إدارة ترامب إلى الهيمنة الكاملة على جميع عناصر بناء هذه التقنية، من تصميم الرقائق والبرمجيات إلى وضع القواعد المنظمة لاستخدامها.
ووجه تحذيراً للأوروبيين من أنّ القوانين التنظيمية التي تعتبرها واشنطن «كبيرةً ومعيقة» قد تعرقل الابتكار وتقتل تطوّر الصناعة. كما أوضح أنّه ينبغي لأوروبا الاختيار بين الانضمام إلى «النموذج الأميركي» أو المخاطرة بالوقوع تحت تأثير الصين، التي قد تستخدم الذكاء الاصطناعي «لأغراض غير إنسانية».
تُعد الولايات المتحدة القوة الرائدة في مجال تصميم رقائق الذكاء الاصطناعي وتصنيعها، إذ تهيمن شركات مثل Nvidia على السوق، ما يتيح لها إنتاج الرقائق التي تُستخدم في تدريب النماذج الأكثر تقدماً في العالم وتشغيلها. في المقابل، تمكّنت الصين من تحقيق تقدم ملحوظ عبر نموذج DeepSeek الذي يعمل بكفاءة باستخدام عدد أقل من الرقائق مقارنة بمنافسيه. علماً أنه يُعمل على تشغيل هذا النموذج على شرائح Ascend من شركة «هواوي»، ما سيجعله نموذجاً صينياً بالكامل. هذا النهج مكَّن الصين من تقليص تكاليف التطوير وتحقيق تقدمات كبيرة، متحديةً النموذج الأميركي الذي يعتمد على إنفاق مالي ضخم.
لفرنسا ميزة تنافسية بسبب
وفرة الكهرباء النووية
على الجانب الآخر، يبدو أن أوروبا اختارت طريقاً مختلفاً. أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القمة، أن بلاده التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية، تمتلك الموارد اللازمة لتشغيل مراكز الحوسبة المكثفة للطاقة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي. بفضل اعتماد فرنسا على الطاقة النووية بنسبة تُراوح بين 65 في المئة و70 في المئة من إنتاجها الكهربائي، تستطيع توفير الطاقة اللازمة للبنية التحتية الحاسوبية ذات الاستهلاك العالي للطاقة.
وقال ماكرون متهكماً: «لدي صديق على الجانب الآخر من المحيط يقول: احفر يا عزيزي، احفر»، في إشارة إلى شعار ترامب الداعي إلى التنقيب عن النفط. وأضاف: «أما هنا، فلا حاجة إلى الحفر. فقط اشبك يا عزيزي، اشبك»، مشيراً إلى تفوق المشروع النووي الفرنسي الذي يهدف إلى توفير 250 ميغاواطاً من الطاقة لرقائق الذكاء الاصطناعي بحلول نهاية 2026.
وأكد ماكرون في كلمته أنه يدرك مخاوف المستثمرين بشأن البيروقراطية الأوروبية المعطلة، واعداً بتبسيط القوانين لتحفيز الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. كما أعلن عن خطة لاستثمار أكثر من 100 مليار دولار في تطوير هذه التقنية في فرنسا، مع التركيز على بناء بنية تحتية متقدمة وجذب الشركات العالمية.
من جهتها، أكدت الرئيسة التنفيذية للجنة الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنّ «سباق الذكاء الاصطناعي لم ينتهِ بعد»، مشيرة إلى أن أوروبا ستستثمر 200 مليار دولار في هذا المجال في السنوات المقبلة. ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى تنظيم سوق الذكاء الاصطناعي عبر قوانين مثل «القانون الرقمي للخدمات» و«القانون الرقمي للأسواق»، التي تهدف إلى مكافحة المعلومات المضلّلة وتعزيز المنافسة. لكن هذه التشريعات تواجه انتقادات من شركات التقنية الأميركية التي ترى أنها «تعرقل الابتكار».
في المقابل، ترى الولايات المتحدة أن الهيمنة على الذكاء الاصطناعي وسيلة لضمان استمرار ريادتها العالمية، وهو ما ظهر في تصريحات فانس. ومع ذلك، فإن هذا النهج يهدد بزيادة التوترات بين الحلفاء التقليديين، وخصوصاً إذا شعرت الدول الأوروبية بأنها تعامل كشريك ثانوي. كما قد يدفع بعض الدول للبحث عن بدائل عبر التعاون مع الصين أو تطوير حلول محلية.
تحاول أوروبا حالياً إيجاد توازن بين النموذج الأميركي المتحرر والنموذج الصيني الموجَّه. يدرك ماكرون ضرورة التحرك السريع لتجنب تهميش أوروبا في هذا السباق، وخصوصاً مع صعود الصين كلاعب رئيسي قادر على تقديم حلول أرخص وأكثر كفاءةً. لكن التحدي الأوروبي الرئيسي يكمن في تحقيق توازن بين التنظيم والابتكار.
الانقسام بين الرؤى الدولية ظهر جلياً في عدم توقيع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على الإعلان النهائي للقمة. بينما تدعو أوروبا إلى تعاون دولي، تبدو أميركا وبريطانيا أكثر تركيزاً على المصالح الوطنية. انقسام يعقد جهود التوصل إلى إجماع عالمي بشأن إدارة الذكاء الاصطناعي.
يبقى السؤال: هل تستطيع أوروبا خلق هوية مستقلة في هذا المجال؟ أم أنها ستظل خاضعة للضغوط الأميركية؟ مع تسارع النموذج الصيني المفتوح المصدر، قد تجد أوروبا في التعاون مع بكين بديلاً جذاباً، وخصوصاً إذا استمرت السياسات الأميركية في الضغط عليها. الوقت يمضي بسرعة، ويبدو أن مستقبل الذكاء الاصطناعي سيحمل معه تحولات جيوسياسية كبيرة.
أخبار سوريا الوطن١_الأخبار