يشكل السد الضخم الذي أقامته أديس أبابا على نهر النيل وتعتزم تدشينه في التاسع من أيلول/سبتمبر، موضع خلاف كبير منذ أكثر من عقد بين مصر التي تعتبره “تهديدا وجوديا” لها، وإثيوبيا التي ترى فيه “فرصة” للمنطقة.
و”سد النهضة الكبير” الذي يشكل مصدر اعتزاز لإثيوبيا، هو موضع إجماع نادر الحصول في بلد يشهد عدة نزاعات مسلحة بعضها لا يزال جاريا ولا سيما في منطقتي أوروميا وأمهرة، ثاني أكبر أقاليم البلد من حيث التعداد السكاني، وبعضها انتهى كما في إقليم تيغراي حيث توقفت الحرب في 2022 بعدما أوقعت 600 ألف قتيل بحسب تقديرات الاتحاد الإفريقي.
وقال دبلوماسي غربي مركزه في أديس أبابا لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف اسمه “في إثيوبيا مسألتان فقط موضع توافق: الوصول إلى البحر والسد”، في بلد خسر منفذه إلى البحر مع استقلال إريتريا في 1993.
ومع اقتراب تاريخ التدشين تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور للسد مزينة بالعلم الوطني.
وينسب كل من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي كانت في السلطة حتى 2018، وحزب رئيس الوزراء أبيي أحمد الذي خلفها، إلى نفسه الفضل في تنفيذ المشروع.
وأوضح أليكس فاينز من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لوكالة فرانس برس أنه في “منطقة صعبة”، وفي ظل هشاشة سياسية داخلية متزايدة”، تسعى الحكومة الإثيوبية “لاستخدام السد والمواجهة مع جيرانها كإستراتيجية لتوحيد الصفوف”.
– لعبة جيوسياسية كبرى –
أطلق مشروع “سد النهضة الإثيوبي الكبير” في نيسان/أبريل2011 بميزانية بلغت أربعة مليارات دولار. ويعد أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا إذ يبلغ عرضه 1,8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا فيما تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعّب من المياه.
ويقع المشروع منذ وضع حجره الأساس في صلب لعبة جيوسياسية إقليمية كبرى، ويواجه انتقادات شديدة من مصر التي تعتبره تهديدا وجوديا لها إذ قد يؤدي إلى تراجع مواردها المائية.
وتعول مصر البالغ عدد سكانها نحو 110 ملايين نسمة، على النيل لتغطية 97% من احتياجاتها من المياه، ولا سيما للزراعة.
وبحسب وزارة الموارد المائية والري المصرية، فإن موارد مصر المائية تقدر بحوالى 56,6 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ احتياجاتها المائية حوالى 114 مليار متر مكعب سنويا.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في آب/أغسطس أن “من يعتقد أن مصر ستغض الطرف عن تهديد أمنها المائي فهو مخطئ” مؤكدا “سنتخذ التدابير المكفولة كافة بموجب القانون الدولي للحفاظ على مقدرات شعبنا الوجودية”.
وقامت السلطات المصرية مؤخرا بالتقارب مع الدولتين المحاذيتين لإثيوبيا، إريتريا التي شهدت علاقاتها مؤخرا توترا مع أديس أبابا، والصومال.
كذلك أعرب السودان عن قلقه حيال تشغيل سد النهضة وشدد في موقف مشترك مع مصر في أواخر حزيران/يونيو على “رفض الإجراءات الأحادية في حوض النيل الأزرق”.
وجرت عدة محاولات وساطة بين الدول الثلاث قامت بها على التوالي الولايات المتحدة والبنك الدولي وروسيا والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الإفريقي، فشلت جميعها.
– “عدم إهدار أي ليتر” –
وتسعى إثيوبيا للطمأنة.
وأعلن أبيي في تموز/يوليو متوجها إلى “جيراننا عند المصب، مصر والسودان” أن “سد النهضة لا يشكّل تهديدا بل فرصة مشتركة”، مشيرا إلى أن “الطاقة والتنمية اللتين سيولدهما لن ترتقيا بإثيوبيا وحدها”.
وأكد أن “سد أسوان في مصر لم يخسر ليترا واحدا من المياه بسبب سد النهضة”.
وكرر هذا الخطاب الإثنين في مقابلة تلفزيونية إذ قال إن “السدود ( المصرية والسودانية) يفترض أن تكون ممتلئة. لا نريد أن يولد (سد النهضة) أي مخاوف” للبلدين.
ويرى خبراء أن تعايشا سلميا بين الدول الواقعة على ضفاف النيل أمر ممكن تماما. وقال أبيل أبات ديميسي الباحث في مجموعة تشاتام هاوس إن “النيل يكفي لجميع الدول الواقعة في أعلى السد أو أسفله إن تمت إدارته بصورة صحيحة”.
ويعتبر الخبراء الذين التقتهم وكالة فرانس برس أنه من “غير المحتمل” اندلاع نزاع مفتوح بين إثيوبيا ومصر.
وقال ماغنوس تايلور المدير المساعد لمشروع القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية “لا أعتقد أنه سيكون هناك تصعيد كبير في التوتر بين البلدين، مصر لن تقصف السد”.
غير أن الخبير في الموارد المائية محمد محي الدين العضو السابق في اللجنة المصرية لتقييم سد النهضة، لفت رغم ذلك إلى أن المسألة لها تأثير على “الاستقرار الداخلي” في مصر إذ أن أي انخفاض كبير في الإمدادات بالمياه سينعكس على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
لكن مع تدشين المشروع الأسبوع المقبل، يرى أن “الخيار الواقعي الوحيد أمام مصر هو التكيف” مؤكدا “لا بديل آخر لذلك”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-رأي اليوم