باسل علي الخطيب
كان ذلك صبيحة العاشر من حزيران عام 2000، وصلتنا برقية استنفار، وكنت وقتها أؤدي خدمة العلم ، لا بد أن هناك أمراً جللاً قد حصل… وكان أن عرفنا الخبر، لقد رحل آخر الرجال الواقفين، رحل و رحل معه بعض ما فينا…. لا أعرف لماذا كنت آنذاك بأمس الحاجة أن أهاتف والدي، و هاتفته، لم أفهم آنذاك، و لست أفهم حتى الآن كيف أتاني صوت أبي كأنه صوت الراحل…. لا أؤمن بالصدف، و لدي قناعة أن لكل حدث سبب و غاية، ليس صدفة أن آخر من تحادث مع القائد الخالد حافظ الاسد كان الرئيس اللبناني آنذاك أميل لحود، هذه رتبة شرف خص الله بها الرجل، و استحقها أنه كان الرئيس المقاوم، أن تكون رئيساً فتلك مهمة، أما أن تكون الرئيس المقاوم فتلك رتبة… و بالحديث عن الصدف، و أن هذا ليس صدفة، أن الله قد أمد بعمر القائد الخالد حافظ الأسد بضعة أيام لكي يكحل عينيه بنصر المقاومة في 25 أيار، و لكي يرى عظيم فعله و عظيم قراره، و عظيم قراره، و صوابية نهجه، أن الجيش الصهيوني ينسحب و لأول مرة من أرض احتلها….. قد يقول قائل و لكن الصهاينة انسحبوا من سيناء عام 1981، نعم، هم انسحبوا من سيناء، و لكن أخذوا مصر كلها بالمقابل…. أما في جنوب لبنان فمع مغادرة أخر جندي صهيوني من بوابة فاطمة وإغلاقه خلفه البوابة، كان لسان حاله يقول لقد نجونا من ذاك الجحيم….. وتدور الأيام، وتتكالب على سوريا كل ضباع الدنيا، جزاء خيارها اعلاه، أنها الحرب، والهدف دمشق…. فيروز لم تخدعنا عندما قالت إننا جيران القمر، قديمة سوريا و مازالت تدين بالولاء لثقافة الياسمين. تسند رأسك إلى شجرة زيتون في هذه الجبال و تشعر أن راحة الدنيا و راحة الآخرة في راحتيك. هذا قدرنا هذا قدر سوريا. لا تستطيع أن تختار قدرك كما لا تستطيع أن تختار اسمك. نحن عملاء لضوء القمر في تدمر لأن فينا صرخة زنوبيا إياها…. على فكرة طيف زنوبيا مازال يتجول بين الحارات الدمشقية، على ذمة أحدهم هي أحياناً تقدم القهوة في قصر الضيافة هناك في الربوة… إذاً إلى كل: تلك الببغاوات التي تظهر على الشاشات… إلى ناقري الدفوف إياهم…. إلى الذين لا يجيدون إلا تسويق الغبار….. إلى الذين يصنعون من دمنا ثانية و ثالثة أحذية ليهوذا الاسخريوطي….. إلى الذين لا يفرقون بين سيف الدولة و كافور الاخشيدي.. إلى الذين يبيعون أطفالنا مرة على رصيف أورشليم و مرة على رصيف آرام ذات العماد… إلى الذين أفواههم حين يتكلمون هي أفواه الضفادع… إلى الذين يعيشون في ثقوب الأبواب و يتنفسون ثاني أوكسيد العار… إلى الذين نجمة الصبح عندهم هي نجمة داوود…. إلى الذين يغتسلون و يغتسلون بالعار… إلى الذين يأتون من بطون أمهاتهم و هم يحملون الرايات البيضاء…. إلى الذين دونت على بطاقة هويتهم هذه العبارة: الوضع العائلي : بيدق شطرنج…. إلى كل تلك الأحذية التي تلهث و تلهث بحثاً عن قدمي السلطان العثماني… إليكم كلكم تذهب هذه الكلمات حتى ولو سيراً على الأقدام، سوريا لن تنحني، هذا ليس كلاما”للريح، هذا كلام للدم الجميل، لذلك الدم السوري العبقري….. لقد تحملت سوريا الكثير و الكثير لكي لا تتحول هذه المنطقة إلى موطئ قدم للشيطان الرجيم…. من ينسى أمهات الذين استشهدوا؟ لأمهات الذين استشهدوا، لأمهات الذين ينتظرون ( و ما بدلوا تبديلا) تنحني هذه الكلمات… هذه أرمادا أخرى و تذهب، و ليكن ما يكن، هل يمكنهم أن يقتلعوا التراب، أن يقتلعوا الهواء، أن يقتلعوا التاريخ. هذه اجمل البلاد القديمة، واقدم البلاد الجميلة…… وتذكروا أن فيروز غنت لنا ” خبطة قدمكم….”
(سيرياهوم نيوز ٦-خاص بالموقع٢٦-١٠-٢٠٢٢)