| مصعب أيوب
بعد أن كان الباحثون يتعاملون مع النفس البشرية على أنها شيء روحي وغير واقعي ولا يمكن الوصول إليه بات اليوم الانطلاق في كل شيء منها وينظر إلى العقل الباطن على أنه شيء ملموس ومهم.
وبالسيطرة على وسائل الإعلام الجماهيرية يمكن السيطرة على وعي الجمهور حيث إن الهدف الرئيسي للتأثير الإعلامي في نفسية الإنسان هو الوعي.
صدر حديثاً كتاب (سلاح الحرب الإعلامية السري… الهجوم على اللاوعي) عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2023 وهو من تأليف: ف. ف. بروكوفييف، ترجمة: د. برجس أبو حسون ويقع في 152 صفحة من القطع الكبير.
القوة الإعلامية
يؤكد المؤلف أنه بات من الممكن هزيمة دولة قوية وزعزعة أمنها واقتصادها باستخدام أسلحة التأثير الإعلامي التي تعد أكثر فاعلية من اي نوع هجومي آخر ولذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية أولت اهتماماً كبيراً لتطوير وتحديث تقنياتها الإعلامية ومواكبة كل جديد.
وأشار أيضاً إلى قوة الإعلام في خلق صورة معينة لشخص ما من خلال وسائل الإعلام الموجهة وليس من خلال تصرفاته الشخصية في الوقت الذي تخفف فيه السمات السلبية لهذا الشخص.
كما يتطرق إلى أن للقوة الإعلامية عظيم التأثير في إضعاف موقف دول المتوسط في الوقت الذي كان فيه خصومهم يتسلح بأنظمة متطورة وفائقة الجودة للتجسس والتشويش ولاسيما أن الدول العربية كانت متعطشة للمعلومات.
وبعد صراعات كثيرة تبين أن المواجهة العسكرية في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا ما هي إلا تحقيق نصر حاسم وسريع بأقل الخسائر، إضافة للقدرة على الضرب في أعماق كبيرة نظراً لاستخدام المعدات المتطورة.
أهم عناصر الأمن القومي
نستخلص من الكتاب أن التقنيات الإعلامية المتطورة وأولئك الذين يتلاعبون بالوعي الإنساني يقتحمون الحصن المنيع للحرية الإنسانية، وكما يعلم معظمنا فإن قوة الإعلام اليوم باتت تضاهي قوة السلاح والحرب العسكرية من حيث الأهمية.
نوه الكتاب بأن أهمية الأمن الإعلامي لأي دولة ازدادت بحدة ولا يكاد أمنها الإعلامي يقل شأناً عن أمنها العسكري فتسعى دائماً لتقويته وحمايته وتعزيزه وأصبحت تشكل أهم عناصر الأمن القومي ولاسيما أن الحرب الإعلامية يمكن أن تدار حتى في أوقات السلم وليس فقط في أيام الحرب العسكرية.
أمثلة من واقعنا
ضرب المؤلف الكثير من الأمثلة التي تؤكد قوة الإعلام وأثره في السلوك البشري في مدن روسيا وأوكرانيا ومن أمثلتها الضرر الكبير الذي ألحق بصحة مجموعة كبيرة من الأطفال في اليابان ١٩٩٧ من خلال مشاهدة رسم كاريكاتير على الحاسوب.
ومن أمثلتها أيضاً الهجوم الأميركي على العراق ٢٠٠٣ الذي مهدت له واشنطن إعلامياً وروجت لنفسها على أنها قادمة لإحلال السلام وانتزاع أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي أوهمت العالم أن العراق يختزنها ويطورها فكسبت تأييد العالم وشرعنت هجومها العسكري وأضعفت العراق الذي كان يملك قوة عسكرية جبارة.
استخدم الجيش الأميركي طائرات بلا طيار لتأمين القوات المسلحة تكنولوجياً فتلعب الأسلحة المعلوماتية في مسرح العمليات العسكرية دوراً مهماً في تحديد نتائج الحرب وبعد أن كان التفوق العسكري سبباً في تحقيق النصر في أثناء الحرب العالمية الأولى والقوة الجوية وسبباً في كسب المعارك في أثناء الحرب العالمية الثانية أصبح التفوق المعلوماتي والإعلامي يشكل الركيزة الأهم لتحقيق النصر في العصر الحديث.
النصر للأقوى إعلامياً
يتبين لنا من صفحات الكتاب أنه من الواضح اليوم في حال تساوي الشروط أن تحقيق التفوق الاستراتيجي يعتمد على قوة الدولة الإعلامية ويشهد على ذلك الحرب الباردة التي دارت أساساً بواسطة وسائل الإعلام.
يشير أيضاً إلى أساليب هزيمة البنية الإعلامية التحتية لدولة ما من خلال اختراق أو تهشيم البيانات المعلوماتية المنجزة وتدمير معلومات العدو عن طريق التشويش وتشويه محتوى معلوماته وإقحام معلومات كاذبة.
كما يمكن استخدام فيروسات الحاسوب القائمة على تدمير البرامج والمعلومات فيتم استخدام السلاح الخوارزمي «الرياضي» لأهداف عسكرية تضرب المنشآت الإدارية والصناعية إضافة للدخول إلى وسائل التحويلات المالية وأنظمة نقل البيانات ومراكز التحكم في رحلات الطيران المدني.
التأثير في اللاوعي
ويشير الكتاب إلى تأثير اللاوعي على مستخدمي الشبكات الحاسوبية التي تحول الإنترنت في بعض الأحيان إلى شبكة لالتقاط الأرواح في ظل ظهور تقنيات الوسائط المتعددة التي ساهمت بشكل كبير في توسيع إمكانيات تأثير الانترنت على اللاوعي.
وقد أشار المؤلف إلى دور الواقع الافتراضي في التأثير العميق في نفسية الفرد من خلال استخدام أدوات الحاسوب لإنشاء مشاهد بصرية ثلاثية الأبعاد وتوليف صوت استريو وشاشة خاصة مثبتة على خوذة وهاتف فيديو وقفاز بيانات فتنقل هذه الخاصية المعلومات المرئية التي تؤثر في عدة حواس منها السمع واللمس وبالتالي تؤمن اتصالاً مباشراً للأشخاص مع بيئة المعلومات.
التطور الحاصل في الميدان التكنولوجي يوفر التغلغل العميق في النفس البشرية وتعديلها لاحقاً في الشكل المطلوب لأن الشخص المتلقي سيؤمن بوجود ما يتلقاه عبر تقنيات الواقع الافتراضي وجوداً موضوعياً، ولا يتوقف الأمر عند الإحساس بها فقط فيتم التلاعب بوعي الناس بكفاءة عالية لتتمتع تقنيات الواقع الافتراضي في المجال العسكري بإمكانيات واسعة.
أشار المؤلف إلى إمكانية استخدام المؤثرات العقلية على اعتبارها وسائل مكونة لأسلحة نفسية فيزيائية.
فتروج الدول العظمى لأهمية التقنيات التكنولوجية الحديثة وضرورة التعامل معها واعتمادها في حياتنا اليومية في سبيل الوصول إلى أكبر عدد من المستخدمين وبالتالي سهولة السيطرة على أدمغتهم باستخدام الأكاذيب والتضليل.
يعتبر الكتاب مهماً لأنه يدرس بشكل مفصل وعميق نفسية الجمهور متكئاً على معطيات العلم حيث يعتبر ما تبثه الدول إشاعات سامة فيعتبر الإعلام هو الأقوى في يومنا هذا لأنه يستغل حال اللاوعي واللاشعور لدى الجمهور فيسيطر على حواسه ويسيره كما يشاء.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن