آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » “سلام” ترامب ..!!

“سلام” ترامب ..!!

 

 

كتب محمد خير الوادي :

 

يسعى الرئيس ترامب الى تسويق نفسه على انه داعية سلام شامل ، يخلص العالم من القتل والتدمير، ويضع حدا لمآسي الحروب والصراعات. لا بل ان انصار الرئيس الامريكي صرحوا ،ان ترامب يسعى الى اختتام حياته السياسية بنيل جائزة نوبل للسلام .

 

دعونا نناقش – بعجالة – ما الذي يختفي خلف هذه الكلمات الجميلة، وما هي مرتسمات هذه الشعارات السلمية البراقة على الارض .وانا سأقصر الحديث في هذه المقالة عن ثمرات “الجهود السلمية” للرئيس ترامب في الشرق الاوسط .

 

في البداية ، لا بد من الافتراض بصدق نيات الرئيس الامريكي السلمية ،وسعيه الحثيث لاطفاء بؤر التوتر في العالم . ولكن مشكلة الرئيس الامريكي انه بات اسيرا لقناعات صهيونية راسخة ، وتصورات دينية توراتية مزعومة . يضاف الى ذلك ، التأثير الهائل الذي يملكه اليمين الاسرائيلي – ممثلا بنتنياهو- على تفكير الرئيس الامريكي وعلى وحاشيته الجديدة في البيت الابيض . و قد عطلت هذه الخلطة الفكرية والسياسية ،مفاتيح التفكير المنطقي لدى ترامب ،وحجب ضبابها السام والكثيف، امكانية رؤية الادارة الامريكية للواقع كما هو في الشرق الاوسط . وقد أثمرت هذه الخلطة مقولة عرجاء اطلقها الرئيس الامريكي عقب لقائه بنتنياهو مفادها : انه يؤيد كل ما يفعله رئيس الوزراء الاسرائيلي.

 

والان لننظر كيف انعكس هذا العماء السياسي الامريكي على السلوك الاسرائيلي في المنطقة ، وكيف شوه المقاصد السلمية – ان كانت موجودة – لدى الرئيس الامريكي .

 

لا ابالغ اذا ما قلت ، أن دفة قيادة السياسة الامريكية في الشرق الاوسط ،قد انتقلت من البيت الابيض بواشنطن ،الى مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي ،الذي بات يرسم الملامح الرئيسة لهذه السياسة .

 

والآن الى الوقائع.

 

فتحت تأثير النفوذ الصهيوني ، طرح ترامب مقولة تهجير سكان قطاع غزة .وقد سارع نتنياهو للتمسك بهذه المقولة ، وترويجها ، ووضع خطة تفصيلية لتنفيذها الى الارض . وهو امر رفضه الشعب الفلسطيني بقوة . كما اثار الحديث عن التهجير قلقا وخوفا مشروعين لدى كل من الاردن ومصر وبقية الدول العربية . والصور المأساوية التي تسربت عن لقاء الملك عبدالله الثاني مع ترامب ،تعكس اجواء ذلك اللقاء تتحدث عن نفسها . وبهذه المناسبة ، فانني اشيد بصمود الملك عبدالله والرئيس السيسي امام الضغط الهائل الذي مارسه ترامب ، واثمن الموقف العربي الرافض لخطة التهجير .

 

كما ادى ” الشيك المفتوح ” الذي منحه ترامب لنتنياهو ، الى انفلات السياسة الاسرائيلية العدونية من كل عقال وكابح . فقد صعدت حكومة المتطرفين الاسرائيليين من حملات القمع المنظم للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ، وقد وصل الامر الى حد اعادة احتلال الضفة عسكريا ، وهو امر ينسف – من الاساس- اتفاقيات اوسلو .كما رفضت اسرائيل تنفيذ كل بنود الاتفاق الذي انهى عدوانها على لبنان ، وابقت على خمس نقاط عسكرية على الاراضي اللبنانية .

 

وفيما يخص سورية ،ورغم تأكيد حكومتها على انها ستخصص كل جهودها للبناء الداخلي وفك عزلة البلاد ،وانها لن تكون عنصر توتر مع كل جيرانها ،ورغم ان الثورة السورية قد نظفت سورية من آثار ولاية الفقيه الايرانية ، وطردت حزب الله من اراضيها ، ودمرت نظام الطاغية الذي كان يختفي وراء شعار المقاومة ضد اسرائيل ، الا ان الكيان الصهيوني بادر الى احتلال المنطقة العازلة لخطوط وقف النار ، واطلق نتنياهو تهديدات تنال من سيادة سورية وتمس وحدتها الوطنية .وبذلك عطلت الحكومة الاسرائيلية اتفاق فصل القوات، والذي وقع برعاية امريكية عام 1974 ،وادخلت تلك المنطقة في دوامة جديدة من التوتر والاخطار .

 

ونتذكر كلنا الجهود الكبيرة التي بذلتها ادارة ترامب الاولى ، وخاصة صهره كوشنير ، في التوصل ما اسموه بالاتفاق الابراهيمي ، الذي ادى الى تطبيع العلاقات بين دولتين عربيتين هما الامارات والبحرين .ويتضمن الاتفاق نصوصا حول بذل جهود سلمية مشتركة لتنمية الشرق الاوسط وضمان الاستقرار فيها . لكن سلوك اسرائيل الحالي ، يحرج الدول العربية الموقعة على الاتفاق ، ويضعه في دائرة التجميد .وهو امر يعني عمليا ،ان الجهود الي بذلتها ادارة ترامب الاولى لانجاز الاتفاق المذكور ،باتت اليوم في مهب الريح ، بسبب السلوك العدواني الاسرائيلي، الذي يحظى بدعم مطلق من ادارة ترامب الحالية . واضيف الى ذلك ـ،ان حكومة نتياهو قد اعلنت رسميا رفضها اقامة الدولة الفلسطينية ،ومبدأ مقايضة الارض بالسلام ، وهما الركنان الاساسيان اللذان قامت عليهما مبادرة السلام العربية لعام 2001.

 

باختصار ، فان مساندة ترامب العمياء لنتنياهو ، قد قوضت كل فرص احلال السلام في المنطقة ، وابقت كلمات الرئيس الامريكي عن السلام معلقة في الهواء . وكانت المحصلة ، ان حديث الرئيس ترامب عن سعيه للسلام وايقاف دوامات القتل ، قد ترجمها نتنياهو على الارض ،الى مزيد من القتل والتوسع والعدوان، وتدمير كل فرص احلال السلام العادل والدائم في الشرق الاوسط .والمشكلة ، ان ترامب لا يعارض ذلك . ومثل هذا الموقف يجعل حديث الرئيس الامريكي عن السلام ، مجرد لغو لا أكثر.

(موقع اخبار سوريا الوطن ١-الوادي للدراسات الأسيوية)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الانعزالية الأمريكية: خسارة النفوذ… وفرصة للصين

  طلال أبوغزاله في خطوة تعكس نزعة انعزالية متزايدة وتجاهلًا لدورها التاريخي، يسعى مشرعون جمهوريون إلى سحب واشنطن من الأمم المتحدة، في مشروع يعكس أيديولوجيا ...