الرئيسية » يومياً ... 100% » سليمان العيسى.. الطفل الذي لم يكبر!

سليمان العيسى.. الطفل الذي لم يكبر!

 

د. بسام الخالد

(فلسطين داري.. ودرب انتظاري.. تظل بلادي.. هوى في فؤادي.. ولحناً أبيا.. على شفتيّا.. وجوه غريبة.. بأرضي السليبة.. تبيع ثماري.. وتحتل داري).
مَنْ من أطفال الوطن لم يحفظ هذا النشيد وأناشيد أخرى كثيرة تغنّى بها الأطفال على مدى سنوات طويلة، وما تزال تتردد على الشفاه الغضة مقرونة باسم “سليمان العيسى” الذي يحسبه الأطفال جزءاً من النشيد؟!
مَنْ من الأطفال لم يردد، في بدايات دخوله المدرسة نشيد: ( أرسم ماما.. أرسم بابا.. بالألوان.. أرسم علمي.. فوق القمم.. أنا فنان )؟!
بصمت رحل.. من دون كلمة وداع.. ومن دون إعلان.. اختصر رحلة عمر امتدت لأكثر من تسعين عاماً بدأت من قرية (النعيرية) قرب مدينة أنطاكية في لواء اسكندرون مروراً بحلب وحماة ودمشق وبغداد وصنعاء، تخللها سجن ونفي وتهجير ورحلة كفاح.
حمل طيلة حياته لواء العروبة منذ أن شهد بأم عينه، وهو فتى، كيف انتهك الأجنبي عروبة اللواء السليب الذي تفتح وعيه القومي فيه، وكتب أول قصائده عنه وهو طفل في العاشرة، وشارك على أرضه في حركة نضال أبنائه دفاعاً عن هُويته العربية قبل أن تصبح العروبة مهددة كما هي اليوم على امتداد الوطن العربي الكبير!
لقد كان شاعراً بالفطرة، وآمن بكل المعاني والأفكار التي تدل على هذه الحقيقة، وكان أبسط وأروع ما يقوم به هو الشعر، بل إنه كان يعيش حياته شعراً، فقد امتلك جميع الأنساق الشعرية العربية في صورة قوالبها المتعددة وبحورها الزاخرة وهي حاضرة بقوة على عتبة مخيلته.
لقد كان اختيار الطفولة موضوعاً لاهتمامه الأدبي، وقد استطاع، بكل ما قدمه وأعطاه، أن يقيم علاقة مبكرة وهادفة بين الطفل العربي والكتاب كوسيلة مهمة لإشباع حاجاته المعرفية والترفيهية وتنمية وعيه وصقل مداركه وقدراته الإنسانية الخلاقة، وكان كل ما قدمه، لأطفال العروبة ولثقافة النشء الجديد، الأساس المتين لتشكيل جذوات الإيقاظ والتنوير التي بثها في أذهان الأطفال، من أجل صقل وجدانهم وتقوية عودهم، عبر الشعر والأدب وتعزيز صلة الأطفال بلغتهم التي هي عنوان الشخصية العربية وجوهر الهوية القومية والحضارية، وتعميق حبهم لها والتغني بجمال بنائها البياني والبلاغي والبديعي وكل فنونها التعبيرية، إيماناً منه بارتباط ذلك بجمال الروح وغنى الشخصية وصقل القدرات والملكات، وبذلك خط طريقاً لإعلان متجدد عن أمل لا تطويه الخيبات، وتجديد ثقةٍ بالمستقبل لا تجهضها النكسات، متوقعاً أن أطفال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات سيغدون شباباً وسيقودون أوطانهم إلى مستقبل مشرق فيما بعد، لأنه كان يحلم أن تتردد كلمات أناشيده المصاغة، بعناية فائقة، على ألسنة وشفاه الأطفال في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، وأن تسكن في قلوبهم وتحصّن شخصياتهم لتعزز فيها الإباء والنخوة والنضال ضد المستعمر، وأعظم ما كان يناضل من أجله ويحلم به هو بعث الوجود العربي الفاعل والمنتج والمبدع الذي اندثر تحت ظلام القرون منذ أمد بعيد وما تزال آثاره إلى اليوم!
شاعر الطفولة رحل في الزحام، زحام الأحداث التي تعصف بالوطن العربي الذي أحب، وزحام الانشغال عن المبدعين في وطن عربي تعصف به الأحداث والحروب فتحولت أولوياته إلى الأمن والأمان وردِّ كيد الطامعين فيه، فشهداؤه يقدمون على مذبحه أروع قصيدة فداء ليبقى واحداً موحداً منيعاً على الطامعين، وهو الذي خاطبهم قائلاً:
(ناداهم البرق فاختاروه وانهمروا.. عند الشهيد تلاقى الله والبشر.. ناداهم البرق فاجتازوه أغنية.. خضراء ما مسّها عود ولا وتر..
في ساعتين خُلقنا كلنا بشراً.. قبل الشهادة لا وجه ولا صور).
رحل المبدع سليمان العيسى بهدوء، كما حياته في خريفها، لكن الابتسامة بقيت على شفاه الأطفال الذين أحبهم وهم يغنون معه: (عمي منصورٌ نجار.. يضحك في يده المنشار.. قلت لعمي عندي لعبة.. إصنع لي بيتًا للعبة.. هزّ الرأس وقال: أنا أهوى الأطفال..)!
(سيرياهوم نيوز4-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

آن الآوان لتعديل قانون الانتخابات؟

  علي عبود للمرة الأولى يفعلها مجلس الشعب ويقترح فقدان عضوية ثلاثة فائزين بالدور التشريعي الرابع لفقدانهم أحد شروط العضوية في المجلس، وهو حملهم لجنسية ...