آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » سنيناً والسوريون ينتظرون “غودو” فهل سيصل في العام الجديد 2022؟

سنيناً والسوريون ينتظرون “غودو” فهل سيصل في العام الجديد 2022؟

د. عبد الحميد فجر سلوم

1ــ

حياتُنا كسوريين في هذا الزمن الصعب، حياةٌ أشبهُ بِمسرحِ “العبث” أو اللّامعقول” الذي جسّدهُ الكاتب الآيرلندي الشهير صموئيل بيكيت، في مسرحيته الأشهر في القرن العشرين (في انتظار غودو) ..

المشاكل والأزمات التي تحيطُ بنا من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، جعلت الغالبية ــ إن لم يكُن الجميع ــ  يميلون نحو التشاؤم والسخرية السوداء من الواقع المعيشي والحياتي والاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي ..

بات الأمرُ يُشبِهُ كثيرا أحداث مسرحية “صموئيل بيكيت” ، المُشارُ إليها..

تلك المسرحية التي كُتِبت بعد الحرب العالمية الثانية، حيثُ كان الموتُ والدمارُ والتشردُّ والضياع والفقر والجوع والعجزُ عن التواصل بين الناس، وكل هذا كرّسَ لحياةٍ فرديةٍ قاحلةٍ في مشاعرها الإنسانية، وكان البحثُ عن الخلاصِ الفردي هو العنوان الأبرز..

للأسف، كل ذلك ينطبقُ علينا اليوم..

تُعبِّرُ المسرحية عن الأمل المفقود، من خلال حوارٍ بين شخصيتين رئيستين، تنتظران على قارعةِ طريقٍ ريفيٍ حيث لا شيئا سوى صخرةٍ وشجرةٍ جرداء.. يغيب عن سمائهما أي أمل، ولا رابطٍ بين شخصية كلٍّ منهما والآخر، سوى رابطِ التَمسُّكِ بِأوهامِ الأمل وبِقُدُومِ شخصٍ يدعى “غودو” لكي يُغيِّر حياتهما الصعبة نحو الأفضل، ويستبدلها بحياةِ الأمن والأمان والطمأنينة والاكتفاء..

يتحاوران في أمورٍ متنوعة، عبثا، وبِلا ترابُط.. يُثرثران.. ينتظران بِترقُّبٍ وحذرٍ وانفعالٍ وأملٍ، ولكنهما يكتشفان أخيرا أنهُ انتظار بلا طائل.. فلا غودو (المُخلِّص) قد وصل.. ولا شيئا جديدا قد طرأ، سوى انضمام ثلاث شخصيات ثانوية إليهما، أحدهما يرمز إلى المُستعبِد، والثاني هو رمز المُستعبَد، والثالث هو غلامٌ ينظرُ بعيدا في الأفق آملا بِحُلُمٍ ما..

وها نحنُ نعاني كل أشكال البؤس والحرمان، نعيشُ الحُلُم والوعود بِغدٍ أفضلٍ، والحكومة عاجزة عن القيامِ بأدنى واجباتها تجاهُنا، ولا ينقصنا سوى أن ينضمَّ إلينا بضعة ملايينٍ أخرى لِتكتملَ فصول المسرحية..

الجميعُ في المسرحية ينتظر قدوم المُخلِّصِ المجهول “الأمل” للخلاص من واقعهم، وهذا المُخلِّص المجهول، تنتهي فصول المسرحية، وتُسدَلُ الستارة، ولكنه لم يأتِ..

2ــ

بلادنا اليوم مُفتّتة.. تتناهبها القِوى الأجنبية.. منها بِرضانا، ومنها رغما عنا.. ونحنُ لا نملكُ من أمرنا شيئا سوى التهديد والوعيد..

أكثر من 75 ألف كيلو متر مربّع  من إجمالي مساحة سورية، خرجت عن سيادة الدولة خلال هذه الحرب، في الشمال، وفي شمال شرق، وشمال غرب البلاد..

ثلاث حكومات في تلك المناطق:

ــ حكومة ما يُعرف بِقوات سورية الديمقراطية وتُسمّى ” الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية” وهذه مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون.. ويمتدُّ نفوذها على أربع محافظات: الحسكة والرقّة وحلب ودير الزور.. وتستولي على ثُلث مساحة سورية.. ومقرها في الحسكة.. وتسيطرُ على 90 % من حقول النفط، و 45 % من حقوق الغاز.. عدا عن الأراضي الزراعية الشاسعة، وثروات المياه..

ــ وحكومة ما يُعرفُ بـ ” الحكومة السورية المؤقّتة” ومقرها في مدينة أعزاز.. وتتبع للمعارضة التي تتبع بدورها لتركيا..

ــ وحكومة ما يُعرف بِـ “حكومة الإنقاذ”  وتتبع لجبهة النُصرَة( وهذه بدورها محمية ومرعية من تركيا) ومقرها في إدلب.. ولكلٍّ من تلكَ شعارها الخاص على عَلَمها الخاص..

ــ واحتلالٌ تركيٌ لأراضٍ سوريةٍ في محافظات حلب والرقّة والحسَكة، من خلال ما يُعرَفُ بعمليات: “درع الفرات”  عام 2016 و “غصن الزيتون” عام 2018 و “نبع السلام” عام 2019،  و ” درعُ الربيع” عام 2020 وهذه على طول الحدود في الشمال السوري، وبِهدفِ إنشاء منطقة خالية من الوجود الكردي، حسب الزّعم التركي..

وتتريكٌ كاملٌ لكل تلك المناطق لِسلخها عن هويتها وثقافتها وإلحاقها بتركيا، كما فعلوا في اسكندرون وشمال قبرص..

ــ مطامعٌ استقلاليةٌ كردية، في شمال وشرق سورية، ويطلقون على تلك المناطق اسم “روج آفا” ويقصدون بها منطقة “غرب كردستان” أو كردستان الغربية..

ــ اعتداءاتٌ إسرائيلية متكررة فوق كل الأراضي السورية.. عدا عن احتلال إسرائيل للجولان..

ــ أوضاعٌ معيشية لا توصفُ من شدّة قسوتها..

ــ شعبٌ قُرابَةَ نصفهِ في بُلدان اللجوء، أو نازح داخليا..

ــ دمارٌ هائل، يحتاج إلى مئات المليارات..

ــ شروخٌ طائفية ودينية ومذهبيةٌ لا سابقا لها منذ 1400 عام..

ــ فروقاتٌ طبقية هائلة.. وفسادٌ وإفسادٌ يغمرُ الدولة والمجتمع.. واحتكارٌ للمناصب والمكاسب لشريحة المدعومين، وأولادهم من بعدهم..

3ــ

هكذا ننتقل من عام 2021 إلى عام 2022 .. بهذه الأحوال المأساوية.. ولا بصيصٌ يلوحُ في الأفق لحلٍّ يضع حدّا لكل ذلك، ويُعيد توحيد الجغرافية السورية، ويُعيدُ اللاجئين، ويُعيد إعمار البلد.. وينهي هذه المأساة المعيشية.. ويُعيدُ عجلة الاقتصاد والحياة والتفاؤل.. ويُمكِّننا أخيرا من بناء دولة قانون ومؤسسات وتكافؤ فرص وعدالة وفصلٍ للسُلطات، وتساوٍ بالمواطَنة بالممارسة والتطبيق على أرض الواقع، وليس فقط في النصوص النظرية الدستورية المنسية..

4ــ

فكافة اللّاعبين الإقليميين والدوليين فوق الجغرافية السورية، غير مُهتمّين بحلٍّ سياسيٍ، وليس من أولوياتهم، لأن هذا ببساطة لا يخدمُ مصالحهم، بعد أن تقاسموا الجغرافية والثروات، وكلٍّ راضٍ بِما قُسِم له.. والحلُّ يعني نهاية تواجدهم، وهُم لم يأتوا إلى سورية كي يقوموا بمهمَّات قتالية ثم يرحلون.. هُم قاتلوا فوق الجغرافية السورية، كُلِّ في سبيل مصالحهِ ولِأجل أهدافه البعيدة، وكي يقتطعَ حِصةً من الكعكة لِبلادهِ ويحتفظ بها، بعد أن اعتبروها أرضا مشاعا لا يُوجَدُ من يحميها، وأبناؤها أنفسهم يفتكون ببعضهم بعضا..

ولذلك جميعهم أداروا الظهر للشعب السوري بعد أن تحقَقت مصالحهم، وتركوهُ فريسة للفقر والجوع والحرمان والبرد والعتمة.. بل لاعتداءات وإهانات إسرائيل المتكرِّرة..

وكلٍّ منهم يضع شروطه الخاصّة لخروجهِ من سورية، وهو يعلمُ مُسبَقا أن شروطه لن يُحققها لهُ الآخرون.. ولن تتحقّق إلا باتفاق الجميع بين بعضهم بعضا.. وهذا يبدو خيالا حتى اليوم..

يعني نحنُ اليوم بتنا أمام أمرٍ واقعٍ مريرٍ جدا، ويتكرّسُ كل يوم أكثر، وهو تفتيت سورية.. فهل من أملٍ للخروج مِن هذا الواقع؟.

5ــ

هذا هو حالنا، أشبهُ بحالِ الأشخاص في مسرحية “بانتظار غودو” .. ننتظرُ ” الأمل”، وأملُنا لا يُسمّى “غودو” وإنما يُسمّى ” الحل السوري” ، ولكن يُمكنُ أن نُطلِق عليه أيضا اسم “غودو” لأنهُ يُشبِههُ جدّا من حيث العدمية والعبثية..

ننتظر “الأمل” الذي يُنقِذنا من هذا الواقع المرير والأليم والمُذِلْ.. نُعوِّض عن حالة الاستسلام الصعبة لهذا الواقع بفكرةِ الانتظار، ونُمنِّي أنفسنا بالأمل، ليستمر مُسلسل الحياة الخالي من أي معنى..

يمضي الزمن، وننتظرُ الأمل، ونحنُ لا نعرفُ متى ومن أين وكيف سيصل؟.. هل من قلبِ دمشق، أم من موسكو، أم من واشنطن، أم من طهران، أم أنقرة والرياض والدوحة.. أم من آستانة وجنيف ونيويورك، أم من كل أولئك مجتمعون؟.

وقد تُسدلُ ستارةُ الحياة، ونحن ما زلنا ننتظر.. وهل أقسى من الانتظار في حالٍ كما حالنا؟..

نعيشُ كما شخصيات مسرحية “غودو” حالة اللّامعقول، وخارج المكان والزمان والحَدَث.. فكل شيء خرجَ من أيادينا وبات بيد الأجانب والغُرباء، والمُفارَقَة أنهم يُردِّدون دوما (الحل سوري سوري) بينما يتحدثون بذات الوقت عن الحل وفقّ قرارات أو مُبادرات دولية، هُم من وضعوها، وليس السوريون.. ولا يلتقي سوري مع سوري آخر إلا بضغوطهم ووساطاتهم ومساعيهم..

وحتى نصل للحل، سيستمرُّ ينمو ويزدهر لدينا في كل يومٍ مزيدا من المافيات واللصوص والفاسدين والمهربين والمرتشين والمحتكرين.. يسرحون ويمرحون في الوقت الضائع من أعمارنا..

 وبالمقابل سيستمرُّ يكبرُ قومُ المظلومين والمُفقَّرَين والمحرومين والجوعانين والمُستضعَفين..

وبالتالي ما علينا سوى الإيمان بالعقائد والأفكار والأساطير التي ظهرت منذ زمن الحضارة السومرية، وانتقلت للحضارة البابلية والآشورية والأكادية، وحتى للأديان السماوية والوضعية، وللزرادشتية والهندوسية والبوذية.. وننتظر قدومَ مُنقذٍ أو مُخلِّصٍ أو مُبشِّرٍ من السماء يُخلِّصُ الأرض من الظُلم والفساد والتجبُّر وينشر العدل والمحبة والتآخي والتسامح بين الناس..

.. يعني  مو طويلة..عضّة كوساية.. كما يقول المثل الشعبي..

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حرب النقاط…

  باسل علي الخطيب نعم، هذه الحرب لا تربح بالضربة القاضية، هذه حرب النقاط… على فكرة هذه هي المدرسة السورية في إدارة الصراع مع الكيان ...