حسين فحص
في وقتٍ تسود الضبابية حول مستقبل كرة القدم الأوروبية، وبينما تتأهب غالبية الدوريات لعطلة الأعياد، تستأنف إنكلترا نشاطاتها الكروية ضمن العرف السنوي المسمّى «boxing day»، مع تأكيدها رفض أيّ فكرة لإنشاء بطولة رديفة. الرفض الإنكليزي ينبّئ باستمرار تفوّق «بريمييرليغ» على باقي الدوريات، كما أنّه قد يضع المسمار الأخير في نعش «سوبر ليغ»
قُلِب الوسط الكروي رأساً على عقب صباح الخميس الماضي، بعد أن قضت محكمة العدل الأوروبية بعدم قانونية الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، ومن خلفه الاتحاد الدولي (فيفا)، بهدف عرقلة إنشاء بطولة «سوبر ليغ». عاصفة فوضوية لم تشغَل الجماهير الإنكليزية كثيراً على عكس باقي أوروبا. هذه الجماهير تنتظر لقاء المتصدّر آرسنال والوصيف ليفربول في قمة الجولة الثامنة عشر، عندما يحل «الغانرز» ضيفاً على «الريدز» اليوم، (19:30 بتوقيت بيروت).الهدوء الإنكليزي ليس حدثياً، بل ينبع من وقائع تجعله على رأس المعارضين لإنشاء «بطولة انفصالية».
سَبق وأن وافقت الأندية الستة الكبار «التقليدية» في إنكلترا، غافلةً، على مشروع «سوبر ليغ» في أول اقتراح لإنشائه عام 2021. لكن، ومع ضغط الهيئات الأوروبية والحكومة البريطانية كما الجماهير الإنكليزية، تراجعت الأندية الكبرى وهي مانشستر يونايتد وآرسنال وتشيلسي وتوتنهام ومانشستر سيتي وليفربول، عن قرارها في غضون 48 ساعة، قبل أن تجدّد غالبيتها تعهّد الالتزام في المسابقات المتعارف عليها بالتزامن مع الأحداث الحاصلة أخيراً. من جهته، رفض الدوري الإنكليزي الممتاز فكرة «سوبر ليغ» ومفهومه رغم صدور حكم محكمة العدل الأوروبية صباح الخميس، حيث أوضحت رابطة الدوري أن: «للجماهير أهمية حيوية في اللعبة، وقد أكّدوا مراراً وتكراراً معارضتهم للمنافسة المنفصلة التي تقطع الصلة بين كرة القدم المحلية والأوروبية».
بعيداً عن «رومانسيات» اللعبة الشعبية، ينبع قرار الدوري الإنكليزي، بالدرجة الأولى، من رغبة استمرار تفوقه على المنافسين. أندية البريمييرليغ لا تحتاج إلى بطولة مستقلة كي تحصِّل عائدات ضخمة، إذ إنها الأكثر دخلاً بين مختلف الدوريات الأوروبية لكرة القدم استناداً إلى قوّة حقوق الدوري التلفزيونيّة منذ بداية التسعينيات.
تسعى الحكومة البريطانية إلى منع الفرق الإنكليزية قانونياً من المشاركة في مسابقة يرفضها الاتحاد الأوروبي
متانة مالية أعطت أندية إنكلترا أفضلية على سائر الفرق خارج البلاد، مساعدةً إياها في بلوغ الأدوار المتقدمة من المسابقات الأوروبية (دوري الأبطال ويوربا ليغ) كما في تجاوز تداعيات أزمة كورونا على الدفاتر المحاسبية، وهو ما ندّدت به باقي الاتحادات مراراً.
الرغبة في استمرار التفوق تعكسه القوانين المستجدة في إنكلترا، والتي بدأت مع انشقاق البلاد عن الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) وصولاً إلى الأحداث الكروية الحاصلة أخيراً. وبحسب الوسط الرياضي الإنكليزي، لن تتمكن أندية «بريمييرليغ» من الانضمام إلى السوبر الأوروبي إلّا إذا كانت تنوي ترك كرة القدم الإنكليزية، بخاصة أن الحكومة البريطانية، وعلى خلاف الحكومات الأخرى، تسعى إلى إقرار قانون في العام الجديد لمنع الفرق الإنكليزية من المشاركة في أي مسابقة منفصلة.
في هذا الإطار، قال الرئيس السابق للجنة الثقافة والإعلام والرياضة الإنكليزية، داميان كولينز: «إن حكم المحكمة الأوروبية بشأن الدوري الأوروبي الممتاز يوضح سبب حاجتنا إلى منظم كرة القدم المقترح لإنكلترا». ثم تابع: «يريد ريال مدريد وبرشلونة تغيير كرة القدم لكسب المزيد من المال. نحن بحاجة إلى حماية نزاهة المسابقات وهيكل الدوريات الوطنية». تصريح اعتبره البعض بمنزلة الرد الضمني على إمكانية تشكيل «سوبر ليغ» تذكرة ذهبية للأندية المؤسّسة في محاولة تجديد المنافسة مع الدوري الإنكليزي.
لا تزال فكرة سوبر ليغ طافية على السطح، رغم الرفض الصارم من غالبية الجهات الكروية، على رأسها «بريمييرليغ». سواء تم إنشاء البطولة أو لا، يبقى المال هو الهدف «الأهم» وراء مختلف القيّمين، المال لا غيره. تكمن المفارقة بمدى جشع الجهات المشرفة على المسابقات، ومدى تأثير هذا الجشع على مسار الأندية واستقرارها مستقبلاً.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية