بقلم :غسان رمضان يوسف
يمكن القول إنّ احتجاجات السويداء الحاليّة، ليست الأولى التي تحدث في هذه المحافظة الجنوبية، والتي بقيت بعيدة عن التحركات التي حدثت سنة 2011، ضمن ما سُمّي موجة “الربيع العربي”، والتي لاقت في حينها دعما من دول عربية وأجنبيّة.
ما يميّز محافظة السويداء عن غيرها من المحافظات السوريّة، أنها محافظة متحررة من الفكر المتطرف، تنتشر فيها الأحزاب ذات التوجه القومي كحزب الاتحاد الاشتراكي الناصري، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب القومي السوري، وحتى بعض التيارات العلمانيّة المعارضة، وسكانها الموحّدون الدروز لم يقبلوا يوما التجزئة أو الانفصال عن الوطن الأمّ، وكان لهم الدور الأكبر في طرد الاحتلال الفرنسي، وحتى الآن ما زال السوريون يفتخرون بسلطان باشا الأطرش، ويلقّبونه بقائد “الثورة السوريّة الكبرى”.
صحيح أنّ بعضهم خرج وربما أكثر من مرة للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي في المحافظة خصوصا، وسوريا عموما، لكن لم تصل الأمور لهذه الدرجة التي نشهدها هذه الأيام، والتي وصلت إلى حدّ إحراق صور الرئيس بشار الأسد، والمطالبة برحيله، وتوجيه الشتائم بحقّه وحقّ عائلته، وإغلاق مؤسسات الدولة ومقرّات حزب البعث، في ظل غياب كامل للطبقة المثقفة، وأغلب المحسوبين على الدولة من مسؤولي الحزب والحكومة وحتى الأجهزة الأمنية.
والسؤال الآن .. هل يمكن أن تنخرط السويداء في ما سُمّي بـ”الثورة السورية”؟
الجواب، بالطبع لا، لسببين:
الأول: أنّ “الثورة السوريّة” تبنّت عقيدة تكفيريّة إقصائيّة يقودها تنظيم الإخوان المسلمين، ودُعمت بغرف عمليات “الموك” في الأردن و”الموم” في تركيا، ورُصدت لها الأموال الطائلة بحسب حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطريّ السابق، في حديثه إلى صحيفة القبس الكويتية، وصلت إلى حدّ 2000 مليار دولار.
الثاني: أنّ الدولة السوريّة استطاعت أن تُحبط مشروع الإخوان المسلمين، وتحصره في مناطق الاحتلال التركيّ، أي أنه لا يوجد تواصل جغرافي بين السويداء وهذه المناطق، التي تستميت من خلال إعلامها لرفع شعاراتها المستفزّة وغير المقبولة في السويداء خصوصا وسوريا عموما، والتي أقلّ ما يُقال فيها إنها فتنويّة وتحريضيّة.
والسؤال الآخر.. هل أهل السويداء على قلب رجل واحد؟ بالطبع لا، فالمعروف أنّ السويداء ذات أغلبيّة درزيّة مع بعض المسيحيين وعشائر البدو في شرق السويداء، ولكن على الرغم من أنّ السويداء وقيادتها الروحية بقيت مع الدولة، ولم تشهد أيّ تحرك، حتى ظهرت فيها “حركة رجال الكرامة” عام 2013 التي كان يقودها الشيخ وحيد البلعوس، والذي تم اغتياله بتفجير في منطقة ضهر الجبل في الرابع من سبتمبر 2015 حيث ذكرت صحيفة المدن اللبنانيّة، أنّ البلعوس ظهر في مجموعة كبيرة من الفيديوهات، وهو يوزع السلاح على أتباعه، في جميع قرى السويداء، ويقول علنًا إنّ السلاح تمّ شراؤه بأموال تبرّع بها دروز فلسطين، ما اعتبره البعض دليلًا قاطعًا على اتصالات البلعوس مع إسرائيل، وتعاونه مع تيار وليد جنبلاط في لبنان، الذي اتّهم الدولة السورية بالضلوع في قتله عام 2015 – على الرغم من أنّ الدولة السوريّة نفت التُّهمة وألقت القبض على الفاعل – وشنّ حملة على شيوخ العقل في السويداء لإصدارهم “البُعد الدينيّ” على البلعوس، وقيل إنّ الهيئة تراجعت عنه.
هل من دول تدعم حراك السويداء؟
في الخامس من أيلول سبتمير 2022، كشفت صحيفة “تركيا” التركية عن مخطط أميركي جديد، يهدف لإنشاء جبهة عسكرية جديدة تضم القنيطرة والسويداء ودرعا، وتكون موالية لواشنطن التي تتمركز في قاعدة التنف على الحدود السوريّة العراقيّة الأردنيّة.
وذكرت الصحيفة أنّ قوات التحالف ترسل أسلحة ثقيلة وذخائر ومقاتلين إلى مدن درعا والسويداء والقنيطرة، كما تقوم باستخدام التنف على الحدود الأردنية كقاعدة لها، لإنشاء جيش جديد باسم “جيش سوريا الحرة”، قوامه 30 ألف رجل لفتح الجبهة في الجنوب”.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ ثمّة معلومات تؤكد أنّ الدروز سيشاركون بشكل نشط في ذلك الجيش لأول مرة، حيث تم إنشاء غرفة عمليات مشتركة في الاجتماع الذي حضره العديد من فصائل المعارضة، وخصوصا “مغاوير الثورة” من التنف، و”البلعوس” من السويداء، مع الجناح العسكريّ لحزب اللواء السوري، ومجموعة ” خلدون الزعبي” من درعا، وهذا يؤكد وجود مخطط يستهدف السويداء وما حولها، وينقلها من مكان إلى آخر.
كيف ستتصرف الحكومة السورية؟
يرى بعض المتابعين والمراقبين، أنّ الحكومة السوريّة ستتعامل بطريقتين مع الواقع المستجدّ في السويداء:
الأولى: محاولة السير في طريق المفاوضات مع رجال الدين والعقلاء من أهل السويداء، حتى الوصول إلى حل وسط يرضي المحتجين، ويحقّق لهم الحدّ الأدنى من المطالب المعيشيّة.
الثاني: تشجيع العديد من أبناء السويداء على وضع حدّ لهؤلاء الخارجين عن القانون، باعتبار أنّ الحياة يجب أن تستمر، وأنّ الإغلاق والإضراب لا يفيد مع اقتراب افتتاح المدارس والجامعات، ولن يصل الموضوع إلى حدّ الصدام، لأنّ الدولة السوريّة تدرك أنّ المخطط يقضي بجرّها للصدام مع أبناء المحافظة، وهو ما ترفض الانجرار إليه.
والسؤال الأهم هو: هل سيؤثر حراك السويداء على بنية الدولة السوريّة؟ وهل سيكون له امتدادات في محافظات أخرى؟
تقول مصادر مقربة من مراكز صناعة القرار: إنّ المحافظة ستكون محميّة بالكامل من الجيش السوريّ، ولن يُسمح لها أن تنزلق للعصيان المسلّح أو الاقتتال الداخليّ، لأنّ هذا سيحقق أهداف من أطلق هذا الحراك وما زال يحرّكه.
يبقى القول: إنّ ما يجري في السويداء، هو تعبير عن عدم الاستقرار الذي تعيشه سوريا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، ما يؤكد أنّ الصراع الجيوبولتيكي على هذه المنطقة، ما زال مستمرا وبزخم كبير.
(سيرياهوم نيوز1-المشهد)