كريم حمادي
تعتزم سوريا إعادة هيكلة سوق الذهب بعد نحو عقد ونصف من الانهيار التام، وذلك ضمن خطة وضعتها الهيئة العامة لإدارة المعادن الثمينة بالتعاون مع مصرف سوريا المركزي تستهدف زيادة احتياطيات المصرف المركزي من الذهب البالغة نحو 26 طناً حالياً، ورفع الطاقة الإنتاجية وتعزيز الرقابة وتسهيل حركة العمل والنقل والاستيراد والتصدير، وإنشاء مدينتين لصناعة المعدن النفيس في دمشق وحلب تضم ورشاً للصاغة ومصانع ومحال تجارية. فما هي ملامح خطة إعادة هيكلة سوق الذهب السورية، وما هي العقبات المحتملة، وحجم الإيرادات المتوقعة من إعادة الهيكلة؟
ملامح خطة هيكلة سوق الذهب السورية
يقول رئيس جمعية صاغة دمشق محمود أحمد النمر لـ”النهار” إن المرحلة السابقة، منذ بداية الثورة وحتى التحرير، مرحلة مظلمة وقاسية على سوق الذهب ومهنة الصاغة بشكل عام، إذ شهدت تراجعاً كبيراً من ناحية الجودة وتدني العيار وهروب كبار التجار والحرفيين خارج سوريا بسبب سياسة النظام السابق في فرض الإتاوات ومنع تداول الذهب والدولار ومنع تطوير المهنة من خلال منع استيراد اي مكينات تصنيع حديثة .
وأضاف النمر أنه “عقب التحرير نفذنا إجراءات عدة تهدف للنهوض بالمهنة العريقة والأصيلة في سوريا، منها اعتماد السوق المفتوحة للتداول بالذهب والدولار، و إعادة النظر في القانون رقم 34 لعام 2023 الذي ينظم إدخال الذهب الخام إلى سوريا بغرض السماح باستيراد السبائك والذهب المشغول كمرحلة لسد النقص من الذهب”.
وشملت الإجراءات أيضاً، وفق النمر، “تعريف أصحاب الورش عبر الفعاليات المتنوعة بما هو جديد وما طرأ على مهنة صياغة الذهب من تطور كبير في دول الجوار، وتوجد حالياً 200 ورشة للذهب في دمشق وحلب تنتج نحو 40 كيلوغراماً من المشغولات الذهبية (ما يعادل 5.1 ملايين دولار يومياً/ 1.5 مليار دولار سنوياً)، كما سمحنا باستيراد الآلات والعدد الصناعية برسوم بسيطة تكاد تكون صفراً؛ لتهيئة بيئة صناعة جيدة للمنافسة العالمية في وقت قصير”.
متجر للمشغولات الذهبية في سوريا (وكالات)
وفي السياق نفسه يقول أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة لـ”النهار” إن هيكلة سوق الذهب في سوريا بدأت بتشكيل الهيئة العامة لإدارة المعادن الثمينة وتوليها مهمة تسعير الذهب خلفاً لنقابة الصاغة، وتعقد اجتماعات يومية لتحديد سعر الذهب، وقد يعقد الاجتماع لأكثر من مرة خلال اليوم الواحد بحسب تغير سعر الأونصة عالمياً وتذبذب سعر صرف الليرة السورية، وهذا يجعل التسعير أدق مما كان يحدث في عهد النقابة.
وعن ملامح هيكلة سوق الذهب في سوريا، يقول حبزة إن الخطوة الأولى كانت تنشيط عمل ورش الصاغة عبر فتح الورش المغلقة والتشجيع على إنشاء ورش جديدة، فسابقاً كانت محددة والآن انفتحت السوق للاستثمار، وتستفيد الحكومة من ذلك عبر الرسوم، وتشغيل اليد العاملة.
أما الخطوة الثانية، بحسب حبزة، فهي فتح باب التصدير واستيراد الذهب، خصوصاً بين سوريا وأذربيجان، وهذا يخلق إيرادات للسوق تدعم الاقتصاد السوري، موضحاً أن السماح باستيراد الذهب الخام سيخلق تنوعاً في تصنيع المشغولات، وهو ما لم يكن متاحاً سابقاً في عهد نقابة الصاغة، ما يعزز النشاط الاقتصادي ودورة رأس المال ويؤدي إلى فتح ورش الصاغة ودخول ورش جديدة للسوق.
ونوه الخبير الاقتصادي السوري، باستقلالية الهيئة العامة لإدارة المعادن الثمينة عن البنك المركزي السوري، وهو ما يدعم الحوكمة والشفافية وحرية اتخاذ القرار، قائلاً: “أصبحنا نرى سوق الذهب تحقق إيرادات في عهد الهيئة العامة لإدارة المعادن الثمينة، فيما كانت مبهمة سابقاً في عهد نقابة الصاغة”.
عقبات تواجه إعادة الهيكلة
وعن العقبات التي قد تواجه إعادة هيكلة سوق الذهب السورية يقول النمر إن “أبرزها تتمثل في ضعف الحالة الاقتصادية للمجتمع السوري، وبعض العقوبات الدولية التي لا تزال مفروضة على سوريا والتي نأمل بأن ترفع قريباً، أما من ناحية سياسة الدولة باتجاه هيكلة السوق فهي أكبر مساعد، من تسهيلات جمركية وتهيئة ظروف مناسبة للنهوض بسوق الذهب بشكل سريع وثابت مع إتاحة أي فرصة للتطوير”.
3 سيناريوات.. و4.6 مليارات دولار إيرادات سنوية محتملة
وعن حجم الإيرادات المتوقعة من سوق الذهب السورية بعد الهيكلة، يوضح النمر أن “الإيرادات ضعيفة نوعاً ما نسبة إلى الدول المجاورة والعالمية، بسبب الحقبة السوداء التي مرت بها سوق الذهب زمن النظام السابق، ولكن التحسن جيد بعد التحرير ونمشي بخطى ثابتة نحو تطوير السوق وإعادة بريق الذهب السوري محلياً وعالمياً من خلال تحسين جودة التصنيع والعيارات ليصبح الذهب السوري كما كان عهده قديماً في مصاف الدول المتطورة بهذه الصناعة”.
وثمة 3 سيناريوات للإيرادات المحتملة بعد إعادة هيكلة السوق، الأول هو السيناريو المحافظ الذي يشهد تحسناً تشغيلياً بسيطاً، ليرتفع الإنتاج إلى ما يتراوح بين 50–60 كيلوغراماً في اليوم مع عودة حرفيين وسهولة في استيراد الخام، وعليه تصبح قيمة دورة السوق السنوية بين 1.9–2.7 مليار يدولار.
والسيناريو الثاني هو أكثر توسعاً ويعتمد على التشغيل الجزئي لمدينتي الذهب في دمشق وحلب، ليصل حجم الإنتاج إلى 80 كيلوغراماً في اليوم الواحد، ويحقق سنوياً 3.1 إلى 3.7 مليارات دولار.
والسيناريو الثالث والأكثر تفاؤلاً يشمل التشغيل الكامل لمصانع المدينتين في حلب ودمشق بالإضافة إلى انتشار مصاف وورش مرخّصة، وفي هذه الحالة يقفز حجم الإنتاج إلى ما يتراوح بين 100 و120 كيلوغراماً يومياً، ويتم تصدير المشغولات الذهبية إلى الخارج، وتجمع سوريا حينها إيرادات سنوية بما يتراوح بين 3.8 و4.6 مليارات دولار.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
