لم يسبق، أن واجه جيشٌ، حرباً شرسة مستمرّة من النوع الذي يخوضه الجيش السوري منذ آذار 2011، على الأقلّ. بامكانات محدودة وأعداء كثر، أعاد الجنود والضباط السوريون رسم صورة المقاتل النّظامي العقائدي، في عصر الجندي الحديث.
سيل الدماء والتضحيات الذي لم ينقطع، هو النّد لمليارات الدعاية الغربية، مع كلّ ما تبذله من جهد حتى يكون الجيش السوري «جيش النّظام» لا جيش الوطن، وعلى أمل أن يتفكّك عضد المجتمع السوري الأخير.
لا ينفصل حدث الأمس، جريمة استهداف الكليّة الحربية في حمص، في ذكرى حرب تشرين، عن هذا السّياق. أراد المُرتكبون، تسديد ضربة معنويّة للقوات المسلّحة، بحضور عائلات الضّباط الخريجين. بينما، لا تزال المؤسسة العسكرية السورية تخرّج ضباطاً بالآلاف، (بينهم خريجون من جيوش عربية، ربّما، كما درجت العادة)، فوق كل ظروف الحرب والحصار وتلبّد الأفق السياسي. وهذه القوّة العسكرية، رغم جراحها، هي صلب الدولة في مواجهة الجولة الجديدة من الحرب السياسية والعسكرية، وضمانة المجتمع في وجه التقسيم والتفتيت. لذلك، بدت قسوة الهجوم على قدر الدور.

تفاصيل الهجوم التقنية والمعلومات، لا تزال طيّ الكتمان من الجانب السوري، مع الإشارة «العامّة» في بيان وزارة الدّفاع السورية إلى «المجموعات الإرهابية المدعومة من قوى دولية معروفة»، وحملة القصف غير المسبوق منذ سنوات على مواقع الجماعات المسلحة في إدلب ومحيطها.
لكن ما ظهر يكفي للسؤال عمّن يمتلك هذه المقدرات التقنيّة والاستخباراتية، لتنفيذ اعتداء خطير من هذا النوع، بتخطيط شديد الدّقة، ويتجنّب الإعلان عنها؟
هجومٌ من دون توقيع حاسم، حتى الآن، يأتي في ظروف سياسيّة وجيوسياسية بالغة الأهمية. إذ لم يكد الرئيس بشار الأسد يعود من الصين باتفاق شراكة استراتيجي، وسط قلق غربي ومتابعة حثيثة لنتائج الزيارة المحتملة على كلّ المستويات، وخصوصاً العسكرية منها.
لم تعد حرب الممرّات مجرّد إعلانات إذاً. إنّما يظهر التدهور الدراماتيكي لمسار الأحداث في سورية خلال الأشهر الأخيرة، ملامح الصراع بصورة جديدة لم تكتمل بعد، من انفجار الشرق بين الكرد والعشائر العربية، إلى التصعيد الأردني والتلويح بعمل عسكري في الجنوب السوري، إلى التصعيد التركي في الشمال. وعلى وقع استعار الجبهات في أوكرانيا، وتعاظم الصراع خارج الحدود، يطالب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بالهجوم على سورية وإيران، فيزداد المشهد تعقيداً.
كلّ هذا، يراكمه الضباب السياسي، وسط الضغوط التي تحاصر مسار المصالحة السورية – العربية وتعرقل تطويرها، والتصعيد الأميركي بالعقوبات ورفع مستوى الحصار والضغوط لمنع أي تهدئة.

كثيرة هي سيناريوهات الأيام المقبلة، لكنّ الاعتداء الإرهابي أمس، يعطي الذرائع الكافية للجيش السوري، للانقضاض على التفاهمات الماضية في الشمال، لا سيّما إذا ثبت تورّط «جبهة النصرة» في الهجوم.