عدنان كامل الشمالي
تعيش سوريا اليوم حالة انقسام عميقة على مستويات متعددة، حيث تتداخل مصالح القوى المحلية والإقليمية والدولية. وقد تم استغلال الطائفية كورقة سياسية ساهمت في تفعيل الانقسامات الكامنة وتفتيت النسيج الاجتماعي، بعد أن كانت هذه الفروقات أقل بروزاً أو غير مؤثرة بشكل مباشر في الحياة العامة.
في الجنوب السوري، تواجه السويداء تحديات أمنية حيث تتباين الأصوات بين من يسعى للحصول على حماية خارجية، وأغلبية تدعو إلى إدارة محلية مستقلة. كما تتواجد فصائل مسلحة محلية من أبناء المنطقة تهدف لحماية ذاتها، ما يضيف بُعدًا أمنيًا خاصًا في ظل غياب حلول واضحة وسقف زمني محدد من السلطات المركزية، مما يفاقم حالة عدم الاستقرار.
في شرقي الفرات، تسيطر قسد على مساحات واسعة وتدير مناطق غنية بالموارد، ما يجعلها محورًا اقتصاديًا مهمًا، وتحظى هذه القوات بدعم وتسليح أمريكي متقدم.
في المقابل، تعتبر تركيا الوجود الكردي المسلح خطرًا على أمنها القومي، وتعمل على تأمين مصالحها في شمال سوريا عبر مناطق نفوذ وإنشاء مناطق آمنة.
تنتشر قوى دولية وإقليمية على الأرض السورية لتحقيق أهدافها، ما يجعل البلاد ساحة لتوازنات معقدة.
القوات الأمريكية تسيطر على مواقع حيوية وتدعم فصائل محلية، بينما تحافظ القوات الروسية على وجودها لحماية خطوط نفوذها ومصالحها. وتعتمد إسرائيل على الغارات الجوية والتواجد الحدودي لضمان الردع، وتسعى للهيمنة ومنع أي قوة قد تشكل تهديدًا لها.
كما تعمل إيران عبر مؤيدين سياسيين واجتماعيين لتعزيز نفوذها الإقليمي وتأمين مصالحها الاستراتيجية، محاولةً بذلك استعادة جزء من دورها الذي تراجع في السنوات الماضية.
وتلعب دول الخليج دورًا مؤثرًا سواء عبر دعم مجموعات محددة أو التأثير على مسار الحل السياسي بما يتوافق مع أهدافها.
تتقاطع مصالح القوى الإقليمية في سوريا، ما يجعلها ساحة لتوازنات متشابكة يصعب معها تحقيق التوافق السياسي.
تتبنى السلطة الحالية إدارة أحادية اللون في إدارة الدولة، بعيداً عن مبدأ الشراكة الوطنية الشاملة، مما يزيد شعور بقية مكونات المجتمع المختلفة بالغضب والتهميش.
ويعمّق الفجوة ويجعل بناء الثقة الوطنية مهمة شاقّة.
في ظل هذا الوضع السياسي غير المستقر، يعاني السوريون من صعوبات اقتصادية متزايدة نتيجة العقوبات الدولية وتدهور القدرة الشرائية.
وتظل سوريا عالقة في دائرة أزمات مستمرة، حيث تتشابك المصالح الداخلية والخارجية، وتستمر الانقسامات في تعقيد المشهد في ظل غياب رؤية واضحة، يبقى المستقبل مفتوحًا على احتمالات متعددة، ويزداد الاحتياج إلى حلول متوازنة تحافظ على استقرار المجتمع السوري وتماسكه.
للفهم الأعمق لمخاطر الحلول الخارجية المفروضة، يمكن النظر إلى تجربة البوسنة والهرسك.
ففي البوسنة، انتهى النزاع الطائفي بتدخل الدول ذات المصالح وفرض اتفاقية دايتون عام 1995.
هذا الحل أنهى الحرب لكنه لم يوحّد الدولة، فظهرت رئاسة جماعية ثلاثية بالتناوب وكيانا منفصلان بصلاحيات واسعة تمنع حكومة مركزية فعالة، إلى جانب وصاية دولية تتحكم بالقرار.
بعد ثلاثين عامًا من الاتفاق، بقيت البوسنة دولة ضعيفة، منقسمة، ومرهونة للتوازنات الخارجية.
واليوم، يخشى السوريون بأن تُفرض عليهم تسوية مماثلة، تُقسّم البلاد وتوزّع السلطة بين ممثلين طائفيين، وفق خريطة تُرسم في عواصم الدول ذات المصالح لا في دمشق.
الدرس واضح:
أي دايتون سوري هو حكم على سوريا بالتفتيت والوصاية، والنجاة ممكنة فقط بإرادة السوريين ووحدتهم الوطنية.
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)