آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » سوريا من الحرب إلى عقدة أوراسية.. كيف يعيد موقعها الاستراتيجي رسم خرائط الطاقة والجيوسياسة؟

سوريا من الحرب إلى عقدة أوراسية.. كيف يعيد موقعها الاستراتيجي رسم خرائط الطاقة والجيوسياسة؟

علي إسماعيل

 

حرك الحدث السوري مياه الصراع الراكدة، وأعاد إلى المشهد الدولي زخمه الجيوسياسي ضمن أكبر منطقة صراع في العالم؛ إذ تجاوزت بعد التحرير تعريفها كـ”صراع داخلي” أو “ملف إقليمي” لتستقر في قلب المشهد الجيوسياسي الأكبر المتمثل بأوراسيا، التي تتجاوز معانيها الجغرافية والاقتصادية والسياسية، لتستطيل نحو اعتبارها نظرية رابعة بديلة للنظريات التي سادت في القرن العشرين، من الاشتراكية والفاشية إلى الليبرالية.

 

مشهد الصراع الأكبر في أوراسيا يتسم بأمرين: الأول هو الرقعة الجغرافية الهائلة بين ثلاث قارات، آسيا وأوروبا وأفريقيا، التي تمتد عليها المنطقة الأوراسية، والتي تقدر بـ55 مليون متر مربع، أي ما يعادل 37% من مساحة اليابسة على سطح كوكب الأرض. ويسكنها 70% من سكان العالم، أي نحو 5 مليارات وثلث المليار نسمة. والأمر الثاني عدد القوى الكبرى المتصارعة على حيز النفوذ فيها، من روسيا والصين إلى الولايات المتحدة والدول الإقليمية الصاعدة في آسيا.

 

أين موقع سوريا في الصراع، وهل هي طرف ثانوي فيه؟ هل يمكن استثناؤها وتجاوزها والاستغناء عنها بسبب تعقيداتها الداخلية؟ أم أنها عقدة لوجستية لا يمكن عبورها؟

 

لطالما كانت سوريا “موقعا حساسا”، لكن قيمة هذا الموقع تحولت اليوم من عامل تاريخي إلى عامل استراتيجي محوري. ففي ميزان الموارد الطبيعية والقوى البشرية تبدو سوريا متواضعة بالنسبة لغيرها، وفي الميزان العسكري خرجت من محاور الاستقطابات الفاشلة، وليست في وارد العداء الإقليمي والدولي مع أحد. لكنها تملك قيمة جيوسياسية عالية في منطقة يطلق عليها السياسيون والمفكرون “قلب العالم”. ليكون السؤال الأبرز: هل تعيد الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط تعريف سوريا كجسر وممر حيوي يجعلها في مكانها الصحيح ضمن مصاف الدول ذات التأثير الجيوسياسي؟

 

دبلوماسية الغاز

يمثل الشرق الأوسط بالنسبة لأوراسيا جسرا بين القارات الثلاث، أوروبا وآسيا وأفريقيا، وباعتباره جزءا لا يتجزأ من الكتلة الحيوية، فهو يعتبر أوراسيا الغربية في بعض التقسيمات. ليكون هذا التقاطع الجغرافي والاستراتيجي المهم مركزا للطاقة ومحورا للصراعات الجيوسياسية وتنافس القوى العظمى، خاصة مع زيادة حدة المواجهة بين الأطراف المتنازعة في ظل انتقال لن يكون سلسا نحو نظام عالمي جديد.

 

الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية الدكتور أحمد السيد عبد الرازق تناول في كتابه الجديد “شرق المتوسط إلى أين؟ دبلوماسية الغاز.. لعبة الطاقة والتحالفات” الجغرافيا السياسية “للطاقة” في منطقة شرق المتوسط، والتي تمتد جغرافيا من هضبة الأناضول شمالا ومصر جنوبا، ومنطقة الشام شرقا، بما تحويه من دول تقع على النصف الشرقي في البحر المتوسط. وتضم تلك المنطقة دولا عربية وأخرى غير عربية، وهي مصر ولبنان وسوريا وفلسطين و”إسرائيل” وتركيا واليونان وقبرص.

 

ويناقش الدكتور السيد عبد الرازق كيفية السعي إلى فهم الصورة الكاملة لإسهام اكتشافات الغاز في شرق المتوسط في ظهور أفعال متباينة من التحالفات والصراعات، وكيف تحولت “الطاقة” و”اكتشافات الغاز” إلى قوة دافعة وأداة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية والاستراتيجية في منطقة شرق المتوسط.

 

وحول فكرة الجغرافيا السياسية لاكتشافات الغاز وإشكاليتها في شرق المتوسط، يشرح الباحث نقطتين أساسيتين. تدور النقطة الأولى حول الوقوف على رصد واقع اكتشافات الغاز في شرق المتوسط، حيث أكد على وجود الكثير من حقول الغاز في تلك المنطقة المليئة بالتعقيدات السياسية والدينية والاجتماعية والاضطرابات الأمنية المستمرة، فضلا عن كونها منطقة مشحونة بنزاعات حدودية وصراعات على مصادر الطاقة، إلا أنها لها أهميتها الاستراتيجية في المشهد السياسي.

 

أما النقطة الثانية فقد ركزت على مناقشة الإشكاليات المختلفة لاكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط، حيث تعد حقول الغاز المكتشفة في شرق المتوسط من أكثر ملفات الطاقة تعقيدا لاعتبارات جيوسياسية، من تصاعد التوترات التركية-اليونانية، وتعقيدات الترسيم البحري مع قبرص، وتدخل القوى الدولية بحثا عن النفوذ والمكاسب الاقتصادية، وغير ذلك من إشكاليات.

 

تلعب مشاريع التنقيب عن الغاز وما يتبعها من مشاريع الربط البحري، وأبرزها مبادرة الحزام والطريق الصينية، دورا هاما في تثبيت سوريا كـ”طرف” أو كـ”عقدة” على الساحة الأوراسية. وفي هذا السياق يبين الدكتور جمال واكيم في كتابه (أوراسيا والغرب والهيمنة على الشرق الأوسط) أنه نتج عن تحقيق الولايات المتحدة أهدافها في العديد من المناطق في الشرق الأوسط إغلاق كل الطرق البحرية أمام القوى الأوراسية، فيما بقي ميناء طرطوس كمنفذ وحيد لهذه القوى على المياه الدافئة، الأمر الذي يعيدنا إلى الموقع المحوري لسوريا وبلاد الشام في العلاقات الدولية والصراعات الجيوسياسية.

 

لذلك عمدت الولايات المتحدة إلى السيطرة على الممرات المائية وطريق الحرير، وخصوصا طرق الملاحة البحرية التي يمر بها 80 في المئة من التجارة الدولية في الشرق الأوسط، وهو عقدة المواصلات العالمية منذ فجر التاريخ.

 

تحتاج الصين إلى منفذ بحري على شرق المتوسط والمياه الدافئة، وتشكل الموانئ السورية فيه النقطة المثلى في المشاريع الصينية، خاصة بعد محاولات التطويق التي قامت بها الولايات المتحدة في شرق آسيا وبحر البلطيق والبحر الأسود والخليج، لمنع هذه القوى الأوراسية من أن يكون لها منفذ على طرق الملاحة البحرية بما يؤدي إلى اختناق اقتصاداتها.

 

يمر المشروع بالأراضي السورية، وتهدف المبادرة إلى ربط الصين بالعالم وإيصال بضائعها سريعا وبأسهل طريقة ممكنة عبر طريقين، بري وبحري، وتعتمد على إنشاء بنية تحتية بالتعاون مع أكثر من 68 دولة. ويرتبط بهذه المبادرة مشروع الربط السككي الثلاثي (إيران، العراق، سوريا)، وذلك نظرا لأهمية موقع سوريا الجغرافي وموانئها على البحر الأبيض المتوسط.

 

ومن هنا يحمل التعاون بين سوريا والصين في إطار مبادرة الحزام والطريق إمكانات هائلة، فموقع سوريا المميز كمركز حيوي يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا مفيد للبضائع الصينية للوصول إلى الأسواق الأوروبية والأفريقية عبر سوريا. لذلك تتمتع سوريا بقيمة جيوسياسية مهمة من حيث الحاجة إلى شبكة تربط طرق النقل في القارة الأوراسية في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتسعى الصين لترسيخ مزيج من الاستراتيجيات الجيوسياسية والمصالح المشتركة في سياق دولي وإقليمي.

 

سوريا كـ “عقدة لوجستية” و”ممر” لا يمكن تجاوزه

تشكل طرق التجارة العابرة والموانئ السورية مفاتيح السيطرة على حركة البضائع والطاقة بين الشرق والغرب، حيث يحتل الموقع الجغرافي لموانئ سوريا أهمية بالغة في التجارة الإقليمية والدولية.

 

وتقع هذه الموانئ وسط منطقة الشرق الأوسط، وتطل على البحر المتوسط الذي يعتبر من أهم الممرات البحرية في العالم، حيث يربط هذا البحر بين المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق والبحر الأحمر عبر قناة السويس، مما يجعل الموانئ الواقعة عليه محطات استراتيجية للشحن والتفريغ البحري.

 

تستفيد موانئ سوريا – اللاذقية وطرطوس وبانياس – من قربها النسبي من الدول الأوروبية، حيث لا تستغرق الرحلة البحرية إلى الموانئ اليونانية والإيطالية سوى أيام قليلة. كما أن موقعها يجعلها بوابة طبيعية للتجارة مع دول الخليج العربي وشرق آسيا عبر قناة السويس.

 

الوصول إلى المنافذ البحرية السورية يفعل حركة النقل البري ويجعل من شبكات الطرق بارتباطاتها الإقليمية امتدادا لشبكات الطرق البرية العابرة للقارات، تستكمل عمل المضائق والممرات المائية، وفي كثير من الأحيان تكون بديلا عنها، وتمتد من مضيق هرمز إلى قناة السويس.

 

يقول الباحث والإعلامي منذر الأسعد في حديثه لصحيفة “الثورة السورية”، إن التنافس الآن على أشده بين عدة مشاريع، أبرزها المشروع الهندي المدعوم أميركيا والمشروع الصيني المدعوم روسيا.

 

ويضيف بالقول إن سوريا تستطيع الاستفادة من موقعها القديم والاستثنائي، لأنهما المعبر الوحيد لآسيا نحو البحر الأبيض المتوسط، حيث إن كل غرب آسيا محصور وراء هذين البلدين.

 

ويتابع: “استفادة سوريا من المشروعين يتطلب عقلية استراتيجية وقدرة على المناورة، وهو ما نراه اليوم في سياسة التوازن الناجحة لسوريا، خاصة أن الأمر يشبه الدخول في حقل ألغام حساس جدا بين المشاريع المتنافسة. ولا بد للقول هنا إن أمام سوريا خيارات واسعة، لذلك يجب علينا تحقيق أعلى مكاسب ممكنة من المشروع الذي ننضم إليه”.

 

هذا الموقع المتوسط بين الشرق والغرب جعل من موانئ سوريا نقاط عبور مهمة للبضائع المتجهة إلى مختلف الوجهات الإقليمية والدولية. إضافة إلى ذلك، تمثل موانئ سوريا منافذ بحرية حيوية للدول المجاورة، خاصة العراق الذي يعتمد بشكل كبير على هذه الموانئ لاستيراد وتصدير البضائع.

 

هناك العديد من المشاريع الاستراتيجية التي يخطط لها في الشرق الأوسط وتؤثر فيها سوريا، أبرزها: طريق الحرير الصيني ضمن مبادرة “الحزام والطريق” حيث يمر بالأراضي السورية، والممر الاقتصادي الجديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، لا يمر عبر الأراضي السورية ولكنه يمر بدول في الشرق الأوسط، منها دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن و”إسرائيل”.

 

وهناك خط نقل “الغاز القطري” عبر تركيا، أو مشروع أنبوب الغاز القطري ونقله عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا نحو أوروبا، إضافة إلى خط “الغاز العربي” أو مشروع أنبوب الغاز المصري الذي يعبر الأردن وسوريا نحو لبنان، ومقرر أن يمتد إلى الحدود السورية-التركية وينضم إلى نظام خطوط أنابيب الغاز في تركيا. وخط أنابيب “كركوك-بانياس”، أو مشروع أنابيب تصدير النفط العراقي إلى سواحل البحر المتوسط عبر سوريا.

 

وتربط شبكة طرق برية متطورة بين موانئ سوريا والعراق والأردن ودول الخليج، مما يعزز من دورها كمركز لوجستي إقليمي. هذا الموقع الجغرافي المتميز يمنح الموانئ السورية ميزة تنافسية في جذب حركة النقل البحري والتجارة العابرة.

 

من هذا الاعتبار تشكل الموانئ السورية عقدا لوجستية رئيسية، لا يمكن تجاوزه بحكم الموقع الجغرافي المميز، حيث تلعب موانئ سوريا دورا محوريا في ربط المنطقة العربية بالأسواق العالمية، وتشكل حلقة وصل مهمة في سلاسل الإمداد الإقليمية، من خلال خدمة التجارة العابرة التي تستفيد فيها الدول المجاورة من موانئ سوريا لنقل بضائعها، وخدمة الربط اللوجستي التي تشكل موانئ سوريا فيها نقاط ربط مهمة في شبكات النقل الإقليمية التي تصل بين آسيا وأوروبا.

 

“الموقع الحساس” كـ “عامل قيمة سياسية”

يقول الباحث الأسعد في حديثه لصحيفة “الثورة السورية”، إنه لا يمكن تجاهل الموقع الحيوي الحساس لسوريا. ومهما بلغت التحديات والتطورات، يبقى هناك ثوابت أساسية في التاريخ السياسي لا يمكن تجاوزها، وهي في سوريا تتمحور بالموقع الاستراتيجي لسوريا كجزء من بلاد الشام، بل هي الجزء الأهم من بلاد الشام، والتي كانت ممرا تاريخيا لقوافل التجارة من أعماق آسيا إلى أرجاء أوروبا وأفريقيا ضمن العالم القديم.

 

ويضيف بالقول إن سوريا تعد دولة محورية في الشرق الأوسط، ليس فقط بحكم موقعها الجغرافي، بل أيضا نتيجة لعوامل تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية جعلتها لاعبا رئيسيا في التوازنات الإقليمية والدولية. لذلك إن فهم مكانة سوريا في المنطقة ضروري لتحليل ديناميات الصراع والتعاون في الشرق الأوسط، ورسم ملامح مستقبل العلاقات الإقليمية والدولية.

 

الأهمية الجيوسياسية لسوريا في الشرق الأوسط متجذرة في عوامل جغرافية وتاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية، فهي ليست مجرد دولة تقع في قلب المنطقة، بل هي مركز تأثير وصراع يجعلها أحد المفاتيح لفهم استقرار الشرق الأوسط وتوجهاته المستقبلية. وبالتالي، فإن أي دراسة لواقع المنطقة أو مستقبلها لا يمكن أن تغفل البعد السوري.

 

موقع سوريا الحساس يجعلها ذات قيمة سياسية واقتصادية عالية على كل المستويات الإقليمية والدولية، حيث يشير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في دراسة بعنوان “سوريا الجديدة والمشروعات اللوجستية في المنطقة الفرص والتحديات” إلى أن التنافس في سوريا على خطوط الطاقة ومشروعاتها سيستمر في المستقبل، مشيرا إلى سعي القوى الكبرى المتداخلة فيها إلى تعزيز نفوذها، وسيؤدي ذلك لاستمرار عرقلة المشروعات في المنطقة ما لم يتوصل إلى تفاهمات استراتيجية تراعي مصالح جميع الأطراف.

 

كما يتوقع المركز عودة التقارب التركي-الخليجي واتفاقيات الشراكة الاقتصادية بين الطرفين، الأمر الذي قد يقود إلى إعادة إحياء “طريق التنمية” لتطوير المشروع ودعمه، إذ تبلغ تكلفته نحو 17 مليار دولار، وذلك لطرحه بديلا عن مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي يمر عبر “إسرائيل”.

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيارة المستهدفة تعود لمسؤول في الفرقة 86… انفجار في البوكمال يوقع إصابات

  انفجرت سيارة من نوع “بيك آب” تابعة لوزارة الدفاع السورية، اليوم الثلاثاء، في وسط مدينة البوكمال شرق دير الزور.     ووفق الإعلام السوري، ...