ناظم عيد
لا يمكن أن تنطلق ورشات التنمية وتتوازن فعلاً في أيِّ بلد بجهود أحادية، أو مبادرات مجزوءة تقتصر على التيار الرسمي المتمثل بالحكومة، على اعتبار أنَّ التنمية مهمة راسخة في صلب الأدبيات التقليدية لعمل مطلق حكومة.
في الحالة السورية.. ثمة انطلاقة جديدة نحو تطبيقات ما أكثرنا جميعاً من الحديث بشأنه وهو “العقد الاجتماعي”، وذهبنا باتجاه مسائل جدلية – خلافية، لتبدو حصّة التوافقات خجولة في مجمل المداولات الجارية سراً أو علناً، على الرغم من أنَّ لائحة التوافق راسخة، وثمة إلحاحٌ للكثير من الاستحقاقات التي يجب ألّا تنفصل عن سياق العقد الاجتماعي، وتتصل مباشرة بالبعد التنموي الحقيقي، الذي لا يمكن أن تتعافى مفاصله كافة إلّا بالمشاركة الفاعلة، بما أننا نتحدث بأبعاد اجتماعية ومجتمعية – حتى القاع – وليس مجرد حالة فوقية مقتصرة على النُخب سواء توافقت أو تباينت في رؤاها.
المسألة جداً حساسة و إستراتيجية في منطلقها و مؤداها، فالتشاركية استحقاق مصيري بالفعل، لكن حساسية الأمر هي ما يملي ويبرر الكثير من ملامح القلق بشأن إقلاع عجلة التنمية، لأن الاختصاص حتى الآن مازال مرتبطاً بالأروقة الرسمية من دون مبادرات مجتمعية – أهلية حقيقية، ولاسيما أوساط رجال الأعمال بمختلف تصنيفاتهم، والقلق بشكل أكبر بخصوص ضعف استجابات المتمولين السوريين في الخارج، الذين هربوا من اختلالات بيئة الأعمال سابقاً، وأحياناً من تعسف مباشر لحق بهم.. فأين هؤلاء اليوم بعد أن دخلت سوريا فضاءً جديداً حافلاً بالآمال التي نكتنزها جميعاً لهذا البلد بولادته الجديدة.
أما على مستوى الموارد – وسوريا بلد غني بموارده – فثمة تنوع يتيح قاعدة صلبة لتكامل تنموي، إنتاجي بالدرجة الأولى، من شأنه أن يعفي البلاد من أي شكل من أشكال العوز لمنتج زراعي بشقي القطاع أو صناعي تحويلي، وقد يكون الغذائي بالدرجة الأولى، بل أكثر من ذلك في هذه البلاد ما يؤهلها لتكون محطة لإنتاج سلسلة طويلة من السلع.. وهذا يعني أنه من “الكبائر الاقتصادية” أن نستورد ما نحظى بميزات نسبية وأحياناً مطلقة لإنتاجه وتصديره.
التشاركية.. التفاعل.. الزج بطاقات الشباب.. وقائمة جاذبة من المصطلحات التي يجري تداولها في الأوساط الحكومية والإعلامية ” لكنها تنتظر أن يُصار إلى الدفع بها إلى الميدان، أي على الأرض، وهنا قد تكون من المفارقات الصادمة أن يتحول الكثير من رجال الأعمال إلى منظّرين على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أي انضموا إلى جوقات “الإنتاج الكلامي”، وتناسوا ” الإنتاج السلعي والخدمي” اختصاصهم الأساس وحامل شهرة بعضهم إلى مِنصات الضخ الإعلامي.
الجميع لديه ملكة الكلام والسرد الإنشائي، لكن هذه صنعة أهل الاختصاص والعاملين في حقل الميديا المزدحم كثيراً في هذه الأيام، لكن الجميع ينتظر ممن لديهم مهام أخرى أن يقلعوا عن خصلة الشغف بالحضور والاستعراض، و يتوجهوا إلى أعمالهم، سواء كان رجلاً تنفيذياً بحقيبة، أو رجل أعمال بملاءة مادية حتى ولو من دون الوسط، أو فلاح لدية حيازة أرض وحظيرة جاهزة لتنمية بضعة رؤوس ماشية.
هذه هي التشاركية المنتظرة التي تبدو اليوم مرتبكة في ظل استقلال الحكومة بها، في وقت نظن أنّ مهمة الأخيرة تهيئة بيئة العمل والمشاركة الحقيقية، وليس الغرق في دوامة التقاط وتأدية الاستحقاقات كافة.. ففي زمن الحرائق تكون مهمة الإطفاء مهمة مجتمعية، وغير مقتصرة على رجال الإطفاء، فيما الباقون يكتفون بالفرجة والتصفيق أو الردح.
أخبار سوريا الوطن١-الحرية