ميخائيل عوض
شكلت كلمة الرئيس الاسد التوجيهية في مؤتمر حزب البعث رؤية استراتيجية شاملة محكمة واثقة من سورية وقدراتها وما تختزنه من امكانات لاستكمال النصر بالتوازي مع الاحاطة بالأزمة واطلاق مشروعها للنهوض والريادة في عربها واقليمها وتعزيز خياراتها الوطنية والسيادية والعروبية.
واشارت نتيجة الانتخابات الحزبية التي احالت القيادة الى التقاعد عن عزم وتصميم على استكمال ثورة التصحيح بإجراءات راديكالية في مختلف الميادين لاسيما في الدولة واجهزتها وبنيتها ابتداء من اعادة هيكلة علاقة الحزب بالدولة الى مجلس الشعب فالحكومة والمحافظين والادارات والمؤسسات العامة، وقدم الرئيس تعريفا للاشتراكية والعدالة واقتصاد السوق الاجتماعي والقطاع العام ودوره.
ثورة التصحيح التي انطلقت تستوجبها الحاجات التاريخية والحاح المهام الراهنة الواجبة الانفاذ.
والتصحيح الذي يقوده الرئيس هو الثورة بعينها بقياسات سورية وبحاجتها للتغير الثوري.
فكل ثورات سورية كانت من فوق وهذه من خاصياتها الاستثنائية التي جعلتها دوما شابة ومقاومة ساعية الى المستقبل.
الدولة السورية وهياكلها ووظائفها وادارتها تقادمت كثيرا وتكلست وتضخمت الى الحد التي باتت عبئا ثقيلا على المجتمع والاصلاح والتطوير.
وتحولت الى بيئة تنتج وترعى الفساد والافساد والهدر والتعطيل.
الحرب المديدة والمتغيرات البنيوية التي اصابت التوازنات الاجتماعية ودمرت العمران والبنى التحتية وهجرت البشر متفاعلة مع جديد المنتجات البشرية العصرية من قواعد وهياكل الادارة الشبكية بديلا وتطويرا للهرمية.
والثورة التقنية الرابعة والذكاء الصناعي والشبكات وانتقال وسائط السيطرة والسطوة من يد الدول والنخب الى العامة. فيمكن تحصيلها عبر العالم الافتراضي الذي يلاصق العالم الواقعي ويؤثر به.
التطورات التقنية والشبكات وقائع تستوجب اعادة صياغة مفهوم الدولة وطبيعتها وهياكلها وادارتها ووظائفها ليس في سورية فحسب انما على الصعيد العالمي والمنطقي ان سورية العازمة للخروج من الازمة ان تكون مبادرة وتجسد نموذجا قاطرا.
ما يستلزم بالضرورة ترشيق الدولة السورية جذريا ومكننتها ورقمنتها ويستوجب اعتماد اللامركزية الادارية والتنموية.
الدولة السورية الموروثة من حقبة الاشتراكية تضخمت جدا وباتت عبئا ثقيلا على الدورة الاقتصادية ولم تعد الوظيفة العامة جاذبة او تؤمن امتيازات ولم تعد سبباً لتعزيز الولاء.
والحال الاقتصادية ونقص الموارد وهزالة الرواتب يلزم بتامين العاملين في الدولة بصفة بطالة مقنعة وحفظ حقوقهم ورواتبهم بتحويلهم الى المعاش الاجتماعي.
فتقليص حجم الوظيفة العامة يعتبر اجراء ثوري تحديثي وعصري وسيحرر الابنية ويخفض الانفاق الاداري ويحرر المدن من الكثافة السكانية وارتفاع اكلاف السكن ويعزز الريف ويؤمن توسيع القاعدة الانتاجية للبلاد ويؤمن فائضا من اليد العاملة لسوق العمل الذي يعاني نقصا بسبب الحرب والهجرة.
كما سيعزز مؤسسات الانتاج وقطاعاته والاقتصاد العائلي والصغير والمتوسط ومتناهي الصغر ويسهم بإطلاق دورة اقتصادية عمادها الانتاج ويعزز القطاعات الاقتصادية التقليدية كما يوفر فرص لاقتصاد المعرفة والتقانة.
ليتخيل احدنا ان العاملين والمتعاملين مع الدولة بحسب بعض الارقام المتداولة يربو عددهم على ١،٨ مليون عدا عن المؤسسة العسكرية.
والدولة السورية لا تحتاج لأكثر من ٣٠٠ الف لنقل ٥٠٠ الف نسبة للمساحة وعدد السكان والناتج الوطني القائم.
تحرير مليون وثلاثمائة الف من القوة العاملة ونقلها الى قطاعات الانتاج كم لها ان تطلق دورة انتاج واقتصاد ؟ وكم ستكون مجدية عملية تمدين الريف وتطوير الزراعة والتصنيع؟.
الا ان عصرنة الدولة وترشيقها ومكننتها تبقى قاصرة ما لم تقترن بإجراءات نوعية متىرافقة اهمها؛
قطع عنق الفساد وتصفية بيئته بإحالة الموظفين من الدرجة الخامسة حتى الاولى الى التقاعد والمستحقين الى التحقيق والقضاء واستبدالهم بالشباب من خريجي الجامعات والمعاهد المتخصصة والمتعلمين والقادرين على التعامل مع التقانة والذكاء الصناعي.
والاجراء الثاني؛ استبدال البيئات والطرائق التي كانت معتمدة لترشيح العناصر للمناصب بتعزيز بيئات انتاج النخب كالجامعات وسوق العمل والنقابات والمؤسسة العسكرية واعتماد المباراة والخبرة والاختصاص” الرجل المناسب في المكان المناسب” بلا اية مؤثرات او تدخلات.
” انتقاء التفاحات من البستان وليس من الصحارة اكثر فائدة وجدوى”.
اصطياد العقول والكفاءات من الجامعات وسوق العمل افضل بكثير من المحسوبيات والواسطة والمصالح الضيقة.
فترشيق الدولة وتفعيلها وعصرنة وظائفها وادارتها والافادة من جيل الشباب والتقنيين والمهنيين يجعل من الدولة حاملا لمشروع نهضة سورية وريادتها لخمسين سنة قادمة ويؤمن سلاسة انفاذ الخطط والرؤية والمشاريع بالسرعة اللازمة وبإتقان.
(سيرياهوم نيوز-الكاتب)