آخر الأخبار
الرئيسية » صحة و نصائح وفوائد » سوق التجميل في سوريا.. أخطاء قاتلة وتعليمات صحية لا تجد طريقها للتنفيذ

سوق التجميل في سوريا.. أخطاء قاتلة وتعليمات صحية لا تجد طريقها للتنفيذ

رغد خضور:

 

من منّا لم يسمع بقضية الشابة مايا زيدان، التي قدمت قبل سنوات من أوروبا إلى سوريا خصيصاً لإجراء عملية تجميلية، قبل أن تفارق الحياة نتيجة خطأ طبي؟ أو قصة الفتاة العشرينية في دمشق التي توقف قلبها خلال عملية شفط دهون أجراها طبيب أذن أنف حنجرة؟

 

قصص كثيرة لأخطاء طبية، منها ما يُعلن عنه ومنها ما يُدفن في الغرف المغلقة، وإلى جانب الوفيات هناك تشوهات ومضاعفات تركت كثيرين أمام نتائج لا يمكن إصلاحها بسهولة، هذه الحالات وغيرها دفعت الكثيرين لوصف طب التجميل بأنه أقرب إلى الفوضى منه إلى قطاع صحي منظم، ليتحوّل إلى سوق مفتوحة بخدمات تتجاوز حدود الاختصاصات الطبية.

 

ضحايا أخطاء التجميل

تقول لينا سلامة: إنها خضعت لعملية تجميل أنف انتهت بتشويه شكلها بدلاً من تحسينه، الأمر الذي انعكس على نفسيتها كثيراً، موضحة أن فكرة الخضوع لعملية ترميم كانت “مرعبة” بالنسبة لها، خاصة أن الجراحة التصحيحية أعقد ونتائجها غير مضمونة.

 

لا يتعلق القلق بالتشوه فقط، بل بفقدان التناظر بين جانبي الوجه، وهو خطأ متكرر في الجراحات التجميلية، وهذا ما حصل مع إحدى السيدات، والتي طلبت عدم ذكر اسمها، إذ فقدت تناظر وجهها بسبب عملية شد خضعت لها في أحد المراكز، ما اضطرها إلى البحث عن طبيب مختص لمعالجة المشكلة.

 

كما أن المشكلات لا تقتصر على الجراحة فقط، فالإجراءات التجميلية غير الجراحية قد تنتهي بكوارث أيضاً، وفي هذا الجانب، ذكرت ورد سليمان أنها حاولت علاج ندبات حب الشباب، لكن النتيجة كانت ضرراً واسعاً في بشرتها وتورماً في الوجه دون أي تحسن.

 

في المقابل، تروي وفاء سلمان تجربتها مع عملية “قلب الشفة” التي خضعت لها على يد طبيب جراحة أسنان، معتبرة أن النتائج كانت “مثالية” والآثار الجانبية “تكاد تكون معدومة”، وقد فاجأها الشكل الذي حصلت عليه، خصوصاً وأنها تلقت تحذيرات كثيرة – حتى من بعض أطباء التجميل – حول خطورة هذا النوع من العمليات.

 

مراكز غير مرخصة وتجاوز لحدود الاختصاص

يترافق ازدياد الأخطاء الطبية مع انتشار مراكز وعيادات غير مرخصة يدير بعضها أشخاص لا يمتلكون أي خلفية طبية، بينما يمارس آخرون أعمالاً تتجاوز صلاحياتهم العلمية، ولطالما طالب اختصاصيو التجميل بتشديد الرقابة على هذه المراكز، والتحقق من شهادات العاملين فيها، حفاظاً على سمعة المهنة وسلامة المرضى، محذرين من خطورة التعدي على هذا الاختصاص بشقيه الجلدي والجراحي.

 

ورغم وضوح التعليمات، يظل الالتباس قائماً لدى شريحة واسعة من المرضى، بل وحتى لدى بعض الممارسين، حول الحدود الفاصلة بين “الجراحة الترميمية” و”التجميلية”، في ظل غياب رقابة فعالة وتزايد الطلب على تحسين المظهر.

 

ودفعت هذه الفوضى وزارة الصحة إلى إصدار تعاميم متتالية لتحديد نطاق عمل الاختصاصات الطبية، خاصة فيما يتعلق بأطباء الأسنان، والتأكيد على أن دورهم يقتصر على معالجة أمراض الفم والفكين، دون التوسع في إجراءات تجميلية تخص الأنف أو العينين أو أي مناطق تدخل ضمن اختصاصات أخرى كالجراحة التجميلية أو الجلدية.

 

وللاستفسار حول هذه التعاميم ومدى تنفيذها وكيفية تنظيم مهنة الطب التجميلي، توجهت جريدة “الثورة السورية” إلى وزارة الصحة إلا أنه لم يصل رد حتى لحظة نشر هذه المادة.

 

وعلى الرغم من وجود قسم مختص في كلية طب الأسنان يُعنى مباشرة بجراحة الفم والفكين، إلا أن ضعف التأهيل وتداخل الاختصاصات تسببا بحوادث انعكست سلباً على سمعة الطب التجميلي عموماً.

 

أين تبدأ حدود الاختصاص وأين تنتهي؟

يوضح أحد أطباء جراحة الفم والفكين – تحدث للصحيفة شريطة عدم ذكر اسمه – أن هذا التخصص يُعد اختصاصاً جراحياً متكاملاً، وعلى المستوى العالمي يعمل أطباء هذا المجال في تجميل الوجه، وهناك أختصاصيون عالميون يقدمون خدمات تجميلية بمستوى ينافس اختصاصيي الجراحة التجميلية التقليدية، مشيراً إلى أن المراجع العلمية للاختصاص تتضمن قسماً كاملاً مخصصاً لجراحة وتجميل الوجه.

 

ويضيف إنه عندما يتلقى الطبيب تدريباً كافياً، ويطّلع جيداً على الأدبيات العلمية، ويكمل الدورات اللازمة، يصبح من حقه ممارسة الجراحة التجميلية ضمن هذا الإطار، وهو نظام معمول به عالمياً.

 

هذه الإشكالية وما رافقها من سوء الفهم دفعانا للسؤال أكثر عن طبيعة هذا التخصص، حيث أفاد رئيس قسم جراحة الفم والوجه والفكين، في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق، الدكتور محمد حسان جعفو، بأن هذا التخصص يجمع بين طب الأسنان والطب البشري، ويركّز على تشخيص وعلاج الأمراض والإصابات والعيوب في منطقة الوجه والفكين والفم.

 

وبيّن جعفو أن تدريب الطلاب والمقيمين يتم ضمن نطاقين أساسيين، الأول يشمل الجراحات الصغرى مثل قلع الأسنان الجراحي، وزراعة الأسنان، واستئصال الآفات الكيسية والورمية صغيرة الحجم، وتصحيح التشوهات العظمية الصغيرة ضمن الحفرة الفموية، كإعادة البناء العظمي والتشذيب العظمي، إضافة إلى جراحات الأنسجة الرخوة البسيطة.

 

أما النطاق الثاني فيغطي الجراحات الكبرى، ومنها جراحة الوجه والفكين التصحيحية لإصلاح التشوهات الخلقية مثل شق الشفة والحنك، وجراحة الفكين التقويمية لتصحيح اضطرابات العلاقة بين الفكين، واستئصال الأورام الحميدة والخبيثة كبيرة الحجم في الفم والوجه والفكين، وعلاج كسور الفكين وعظام الوجه، وجراحة المفصل الفكي الصدغي وغيرها من التداخلات الجراحية الكبرى.

 

ويؤكد جعفو أن اختصاص جراحة الفم والوجه والفكين يشمل جميع الإجراءات التجميلية المرتبطة مباشرة بمنطقة الوجه، سواء كانت جراحية أو غير جراحية، باعتبار أن هذه المنطقة تُعد نطاق التداخل المشترك بين هذا التخصص والجراحة التجميلية.

 

ومن أبرز التداخلات التي يتدرب عليها مقيمو جراحة الوجه والفكين، والتي قد تكون موضوعاً لأبحاثهم: تجميل الذقن والإجراءات المرتبطة بالفكين، وإعادة بناء الوجه بعد استئصال الأورام، وتصحيح التشوهات الوجهية الخلقية أو المكتسبة، فضلاً عن تجميل الأنف في سياق إصلاح شق الشفة وقبة الحنك (الشفة الأرنبية)، وفقاً لجعفو.

 

كما أشار إلى أن التدريب يشمل كامل التداخلات التجميلية غير الجراحية في منطقة الوجه، ومنها حقن البوتوكس والفيلر، وإبر النضارة، وخيوط شد الوجه، وحقن الشحوم، في حين لا يشمل الاختصاص أي إجراءات تجميلية خارج نطاق منطقة الفم والوجه والفكين.

 

وأكد أن دخول طالب الدراسات العليا إلى أي مجال دون تأهيل كاف “أمر مرفوض تماماً” وغير مقبول، ليس فقط في الجانب التجميلي، بل في كافة المجالات، موضحاً أن فترة التدريب في الماجستير تقوم على تزويد الطلاب بالمهارات اللازمة وفق مبادئ مهنية وأخلاقية أساسية، أبرزها سلامة المريض، والالتزام بحدود الكفاءة، وعدم ممارسة أي عمل طبي دون التأهيل المناسب، مشيراً إلى وجود مشرف مشارك من الطب البشري عند الحاجة، وغالباً من اختصاص الأذنية أو الجراحة التجميلية.

 

ختاماً، يشير ما سبق إلى ضرورة تنظيم الممارسة الطبية ورسم حدود كل اختصاص بوضوح، بما يضمن سلامة المرضى ويحافظ على سمعة المهنة، وفي ظل ضعف الرقابة وانتشار المراكز غير المرخصة وتداخل الاختصاصات، تتكرر الأخطاء ويبقى المرضى هم الخاسر الأكبر.

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة السورية

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

50 ألف خدمة مجانية قدمتها العيادات الشاملة في طرطوس من بداية العام حتى نهاية تشرين الثاني

ثناء عليان: يعدّ مركز العيادات الشاملة في طرطوس مشفى صغيراً، يضم مجموعة من العيادات الطبية التخصصية المتعددة، التي تعمل على تقديم الخدمات الصحية مجاناً للمرضى. ...