يامن أحمد
العقل سيّد التفسير وسيّد الفِعل، والكرامة لا تخرج عن حيّز رؤية العقل، ومِن العقل أن يُحيط الإنسان العاقل بالحقائق، فمن يُفرّط بكرامة مَن حقّق أمن البلاد بالدم والأشلاء لا يُمكنه أن يُحدّثنا اليوم عن كرامة بل عن استعلاء في الأنانية.
فمن حمى السويداء هم من استش*هدوا في درعا والغوطة وإدلب والدير، ولو لم تنتصر سورية الأسد في تلك الجبهات ما كانت لتقوم قائمة لا للسويداء ولا لسورية كلها.
لقد تجاوزت أحداث مُفتعلي أزمة السويداء ما حقّقه فُرسان سورية من حُماة الديار الذين ما زال الغدر يغتالهم في درعا وغيرها، فكيف لك ألّا تحافظ على ما قدّمه لك الجيش العربي السوري وتُحدّثني عن الكرامة، وما زال حُماة الديار فُرسان أمّتك على تماس مع الأمريكي والتركي والإسرائيلي ؟؟!!
إن ما يحدث هو نتاج القراءة الماديّة وليست العقلية.
المُريب في قضية مُفتعلي أحداث السويداء هو الإصرار على إخراج السويداء عن الواقع المعيشي الراهن للسوريين كافّة، وفصل السويداء عن المُتغيّرات وعن توغّل الأحداث العالمية والإقليمية .
هذه الأفعال تستحضر في ذاكرتنا حرب تُجّار الطائفية في لبنان والتي لجمها الجيش العربي السوري إلى أن عاد ذات التُجّار الطائفيين مع الأمريكان لمُحاربة سورية وإخراجها من لبنان من خلال ما اعتبروه ثورة، والمُثير للريبة أنه ما من عاقل إلا ولعن ثورة لبنان لِما فعلته في لبنان.
والكثير مِنّا يعلم أن الطائفية لم تُنجِب ثورة ولا ثوارا بل زعرانا مُتديّنين، ومع هذا ما زال هناك من يُفكّر جنبلاطيا حتى اللحظة وينسى أن مئات آلاف الفُرسان من الجيش العربي السوري قضوا نحبهم ونُسِفت أطرافهم وتفجّرت جماجمهم وانطفأت قناديل أعينهم لكي لا تتحوّل سورية إلى لبنان جديد، ولكي لا يحِل مكان الزعيم سلطان باشا الأطرش ذاك الحِرباء وليد جنبلاط، ولكي لا يستحوذ فأر مُستعمرة قطر الأمريكية فيصل القاسم على لقب المُحارب الأسطوري مكان الإسبارطي الشه*يد القائد اللواء عصام زهر الدين ..
لقد كان لخروج الجيش العربي السوري درسا وجوديًّا من لبنان لِمن نذر فِكره طائفيا وليس وطنيا، حيث تكاثرت الأمراض الاجتماعية وحكم لبنان المسعورون طائفيا، فكان لبنان اليوم الذي هو أمامنا بلدا مُدمّرا فارغا من كل مقوّمات الحياة، ولا يُكرّر ما وقع في لبنان إلا من لا يمتلك العقل.
ولهذا نحن اليوم نستميت فكريًّا وعسكريًّا لكي لا تكون سورية لبنان كبيرا لا ينتصر فيه أحد.
إن تناول موضوع الكرامة مِن قِبل القِلّة في السويداء وكأن باقي السوريين كفروا بالكرامة وتناسوها هو رجم لكرامة باقي السوريين، مع أن من يُحدّثنا اليوم مِن قِلّة في السويداء لم يُشاهدوا الكرامة خارج حدود السويداء، وهؤلاء أنفسهم طالبوا الدولة بشرط القتال فقط في داخل السويداء ولم ترفض الدولة تجنّبًا للفوضى، إلا أن استيعاب الدولة قوبِل بأحداث الأمس الأحد.
وقد ذكرنا سابقا أن تقنين كهرباء السويداء كان أفضل من كل من حلب وحمص وحماه والساحل ومع هذا يستمر الفِكر المُريب بالتحدّث عن الكرامة المهدورة، مع أن الدولة عاملت السويداء على حساب المحافظات المذكورة على الرغم من أن هذه المحافظات حاربت على الأراضي السورية كافّة، وبعد أحد عشر عاما من الحرب والمُتغيّرات كأنها لم تكُن كافية لتجعل البعض يُشاهد الحرب من شواهق العقل بل شاهدها من أنانيّته.
وهذا البعض تُحرّكه الأنانية وليس الكرامة ولا الوطنية، ولو أن الكرامة من تُحرّكه لانتفض الإنتفاضة المُسلّحة في وجه الأكراد والإنفصاليين والقواعد الأمريكية.
الكرامة الوطنية لا تتجزّأ وليست مزاجا منفصلا وليس لها حدود، فلا كرامة مزاجية مناطقية يحُدُّها التزمُّت الطائفي الضيّق.
ولكيلا ينزلق أحد في كمين الفتنة نحن نتحدّث إلى أمثال فيصل القاسم في السويداء وهم القِلّة القليلة جدا ولا نتحدّث إلى أشراف السويداء، فكل كلمة هنا موجّهة إلى من يظن أنه وحده فقط من يعرف معنى الكرامة..
يبدو أن قراءة الحروب لا تنجو بسهولة من إقحامها في السراديب النفسية، فأنت لك الاختيار أن تكون فلكا أو جُحرا لا يتّسع سِوى لما تريده، وبمقدور الإنسان أن يكون أمير نفسه أو أن يكون أسيرا لها، فنحن لا نستغرب رؤية الحقائق من أعين الحقيقة، إذ أن هذه الحرب لم تكُن تطحن البشر والحجر فقط بل وتستنبط معادن البشر من كل السوريين وغير السوريين.
ونحن اليوم في حضرة إظهار مكنونات الأنفُس، فكل نفس تستعرض نهجها وتفرض كُنه عزمها في قيادة الحرب، فمنها من يُطوّعها لكي ينتصر عليها ويُعيدها نحو الفناء، ومنها من يظنّها إنها تقسيم للحُصص والنفوذ ويسأل أين حُصّتي، ويظن أنه في محميّة طوائف وليس في دولة، فما عليك إلا الالتفات لثوانٍ نحو لبنان لتُدرك الفرق بين الدولة وبين محميّة الطوائف.
وحدها الحُجّة الواقعية التي تلجم هيجان الانتماء الضيّق وتُخرجه من الحقد إلى المجد ومن الجنبلاطية إلى سلطانية سلطان باشا الأطرش..
في الحقيقة ما يجري مِن قِبل البعض هو محاولات لإخراج سورية من السويداء، وهذا يعني إيجاد إمارة ولا علاقة للكرامة في هذه القضية، فهذا جنبلاط نراه سائحًا في لندن وفي تركيا وأتباعه مُتأثّرون مباشرة بكل ما يحدث في بلد يُدعى لبنان لم يتعرّض إلى واحد بالمئة مِمّا تتعرّض له سورية، وترى اقتصاده قد نُسِف من الوجود، ومع هذا لا نرى أتباعه في موقع المُنتفِض على سيّدهم لأن غايتهم هو الإنتماء الطائفي وليس الوطني، فالطائفية تغفر للحمقى حماقتهم ولا تغفر للوطني وطنيّته .
من حقِّك أن تنتفض عندما ترى الجيش العربي السوري يفِرُّ من حلب والدير والحسكة وحمص وقد تحوّل إلى ميليشيات تحمي اللاذقية فقط….
من حقِّك أن تبحث عن كرامتك عندما تُشاهد رايات الطوائف في كل محافظة سورية بديلة عن الراية السورية.
ومن حقّك أن تنتفض عندما يترك قائد سورية الأسد بشار دمشق سبيّة لمعاشر شهوة الذبح ووضع النساء في الأقفاص الحديدية….
من حقّك أن تنتفض عندما لا تجِد من يُدافع عن إرث سلطان باشا الأطرش في كل سورية.
إن إنقاذ الأمم من الضياع هو رسالة العُظماء الذين اجتازوا مع طوائفهم حدود المكان وتمكّنوا من إثبات الحُجّة على المُتطرّفين بأن الأمم تنجو بالأخلاق أولا وأخيرا.
أوليس بالدِين من حقك أن تنتفض فقط عندما ترى اللاذقية تأخذ حُصّتك من التقنين الكهرباء؟ عندها تأكّد بأن من يحكم سورية هو مثلك لا يُفكّر أبعد من حدود مدينته….. عندها يُمكنك إشاعة فِكرك لأن من يقودك هو كذلك، ولكن عندما يقود سورية خارج كل ما تُوسوِس به وتتوهّمه فإعلم أنك تعمل على التشبيك مع أعداء سورية من حيث لا تدري.
فمن هو الكريم ابن الكِرام الذي يُشاهد أبناء أمّته على الجبهات وقد أعطوه ظهورهم مع أشد كائنات الأرض دموية وشذوذ فكري؟
هل فكّرتَ بموقف المُحارِب السوري وهو يقبض على الزناد وأنت تصرخ: ( بدنا كرامة)؟
الفارس العظيم الجندي العربي السوري ترك أهله وبيته وناسه بعُهدتك ليُدافع عن كرامتك وأنت تصرخ بأنك تريد الكرامة.
فما هو رأيك عندما كان الجيش العربي السوري يُحارب دا*عش وأخواتها على حدود السويداء مع أبناء السويداء وخرج بعض أبناء حمص وافتعلوا الشغب واتّبعوا ما تتلوه عليهم صفحات الفيسبوك مِن فِتن .. هل يشفع لهم عقلك وكرامتك؟؟!!
نحن لا نتحدّث من خارج الواقع ونعلم عن تفشّي الفساد وتقزُّم الأنفس، ونعلم أن الجميع يُعاني في كل سورية، ولكن وحدها الواقعية التي تُعيد البعض إلى الصواب وليس الإنفصال عن الواقع…
(سيرياهوم نيوز 4-موقع نارام سرجون)