خير الله علي
في عام 2004تم تكليفي بمهمة تغطية مشاركة بلدنا سورية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب بألمانيا..عندما وصلنا إلى هناك ونقلتنا السيارة إلى الفندق عقدت لساني الدهشة من جمال كل شيء أراه، بدءاً من المطار إلى الاوتسترادات إلى الجسور إلى الشوارع والأرصفة، إلى البناء؛ نظافة وأناقة وهدوءا.
أثناء حفل الافتتاح جاء المستشار الألماني /غيرهارد شرويدر/سيرا على الأقدام من مكان بعيد عن مدخل المعرض بلا طبل ولا زمر ولا مواكب، في الوقت الذي صرع فيه موكب أمين عام جامعة الدول العربية الشارع والمكان برمته، حتى أنه لم يترجل من سيارته الفخمة مع حاشيته إلا أمام مدخل المعرض تماما.
في اليوم الثاني رحت أتأمل كل التفاصيل بعين المتشوق لمعرفة أي شيء عن الغرب الرأسمالي الليبرالي…. موظفون على قدر كبير من الاناقة يذهبون إلى أعمالهم باكرا سيرا على الأقدام، أو مستخدمين القطار، أو الترامواي الذي يتحرك على مدار الساعة ذهابا وإيابا في مواعيد محددة ودقيقة يحمل ركابا لا يزيد عددهم عن أصابع اليدين خاصة عند المساء.
شوارع أنظف من البيوت؛ عريضة مزينة بالأشجار من الجانبين؛ شبه خالية من البشر والسيارات؛ اللّهم إلا تلك المركونة بين الأشجار بجانب الأرصفة. هدوء …هدوء..هدوء. لمدة ثمانية أيام عشت في هدوء أحلم به طوال حياتي، أنا القادم من جبل الرز في وادي المشاريع في دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ حيث لا يمكن أن ترقد ساعة واحدة بدون ضجيج متعدد الأصناف إلا بعد منتصف الليل.
مساحة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب من الاتساع بحيث كنا نتنقل بين أجنحته وجنباته بالمكروباصات سعة /24/ راكبا، أو على قشط متحركة مسافة مئات الأمتار. أو نصعد أدراجا كهربائية لا تتوقف لحظة واحدة. صالة الإعلاميين مجهزة بكل الخدمات المطلوبة، اللباس الموحد لموظفات المعرض الالمانيات وأناقتهن… قاعات الاستراحة المجهزة بمقاعد يمكن أن نسميها طبيّة حيث بمجرد أن يضغط الجالس عليها زرا من الأزرار الموجودة على يسار أو يمين المقعد يمكن أن يحصل على وجبة مسّاجات دسمة لتشنجات ظهره وآلام عموده الفقري.
كنا زميلاي الاستاذان المرحوم جمال عبود وديب علي حسن أطال الله في عمره وأنا نتجول بعد الدوام في شوارع المدينة وحدائقها، وكنا مع كل مشهد جميل وآسر أو معلم ملفت للنظر وما أكثرها نعلق: (متل عنا بفرد شكل).
مرة سرت وحدي في شوارع فرانكفورت، فرأيت ورشة صيانة تصلح انبوبا بعمق يزيد على المتر ونصف المتر في الشارع. وقفت أراقب العمال وأقارن بين حالين لا تجوز المقارنة بينهما في الأداء والإخلاص في العمل، الموقف تكرر معي كذلك مع عمال النظافة بثيابهم الموحدة النظيفة كيف يفرغون الحاويات في الشاحنة الكبيرة بهمة عالية. أحدهم نظر الي شذرا. ليته عرف كم أجله على عمله هذا، وعلى هذه الهمة والإخلاص في العمل الذي يقوم به.
قبل اليوم الأخير من عودتنا كوفد قررنا الذهاب إلى سوق شعبي. قطعنا مسافة لا بأس بها بالقطار بين مناظر طبيعية ساحرة. من الظلم أن يقارن ذلك السوق الشعبي الجميل بشكله وبنائه ونظافته بأي سوق مما يسمى عندنا (مول) للطبقة المخملية.
ما لفت نظري أيضا في هذه الرحلة القصيرة بائع الخضار الذي كان يفرش بضاعته تحت الجسر القريب من الفندق الذي نزلنا فيه. فهو يأتي في الصباح الباكر ويذهب في المساء أو في ساعات الأصيل دون أن يترك أثرا يدل على أنه كان طوال نهار كامل في ذلك المكان.
حتى ذلك اليوم كنت اسمع عن وفود من مؤسساتنا الرسمية تزور دولا في الغرب والشرق في مهمات رسمية، وذلك لاكتساب الخبرات والمعلومات في المجالات الكثيرة المختلفة، خبرات ومعلومات لتطوير بلادنا، هذا فضلا عن جولات السياحة التي لم تكن تتاح إلا لكبار المسؤولين والتجار.
ولذلك طرق دماغي منذ ذلك اليوم وعشش فيه سؤال لم أجد له جوابا حتى الآن، سؤال قض مضجعي وما يزال، سؤال ما يزال طرحه مشروعا حتى هذه اللحظة : بماذا كان يعود أفراد وفودنا ومسؤولينا من زياراتهم لدول العالم المتحضر ذاك؟ أي، ماذا كانوا يجلبون معهم؟ بمعنى آخر ما هي القيمة المضافة التي قدمها الموفدون لبلدهم من جراء تلك الزيارات؟ وهل ما جاؤوا به يعادل ما صرف لهم من أموال البنك المركزي؟
(سيرياهوم نيوز1 -خاص11-5-2022)