آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » سياسة أردوغان الوعرة.. ما وراؤها؟ هل هو المشروع النووي؟

سياسة أردوغان الوعرة.. ما وراؤها؟ هل هو المشروع النووي؟

فؤاد البطاينة

الإستقلال الذي تمتعت به تركيا بعد الحرب العالمية الأولى لم يكن يختلف كثيراً عن استقلال الدول العربية فيما بعد. فدول الغرب المنتصرة امتصت هذه الطاقة التاريخية بارثها العقدي الإسلامي وثقافتها الوطنية و مكوناتها الجغرافية والطبيعية وإمكانات نهوضها لتكون كلية تركيا في خدمتهم بمساعدة قادة مزيفين من سياسي وعسكر الصهاينة. ولم تكن عقود الإستيعاب إلّا سيرة من تسخير تركيا للمصالح الغربية والصهيونية، ووبالا على المصالح الوطنية التركية. ومع ذلك فلم تتحقق فكرة تقبل تركيا في أوروبا التي سعى اليها سياسيو الاترلك ورفضها الأوروبيون. وكانت الهوية الإسلامية التركية وثقافتها هي العائق والمشكلة، والتي أدركها الشعب التركي في المحصلة. وهذا أسهم في تسريع تنامي الوعي الوطني القومي لدى الأتراك على واقعهم ومستقبلهم. وكان هو المحرك التركي الفاعل في هذا الوعي من أجل التغيير.

وصلنا اليوم في تنامي الوعي التركي التراكمي الى مرحلة أردوغان الرجل الذي تضيق مكنوناته عن استيعاب طموحاته. ولو كان بإمكانه أن يتحول الى دكتاتور وطني لفعل ولكنه يبدو كذلك، واكتفى باللجوء الى النظام الرئاسي الديمقراطي. إنه ليس هاو لحمل ما لا تتسع يديه من حبات البطيخ، بل مُضطراً، ولكنه يبدوا ناجحا جدا كلاعب السيرك. ونظراً لنزعته الدكتاتورية الوطنية فإن الشك لا يفارقه بحلفائه الداخليين والخارجيين خوفاً على سلامة اليقين. إلا أنه محمي الظهر في تقديمه لنفسه للأتراك الشعب بأفعاله من واقع الثقافة الإسلامية كألأب البيولوجي بكل احتياجاتهم الخاصة والعامة من المال العام المصان من الفساد، وبقراره السياسي الجريء والدسم بسياستيه الخارجية والداخلية. ويترك لهم الحرية الشخصية ويعيدها لمن حُرموا منها بغطاء العلمانية الفاسد عندما تستهدف الدين أو تعاديه. إنه بحجم ثورة علمية تكنولوجية صناعية نهضوية في قالب ثورة سياسية أنهى فيها حكم العسكر والأتاتوركية أداة الغرب في الداخل التركي وأبقى على الصنم وشأنه شاهدا على الفرق بين حقبتين.

إذا كان للغرب أو لغيرهم مشكلة مع تركيا فهي في طموحات أردوغان في بناء دوله إسلامية عظيمه وحرة ومستقلة. وبصرف النظر عن إسلامية ومداها أو عمقها وتأثيرها في نفسه، إلا أنها سلاحه إلى قلوب أبناء شعبه تجسد احترام ثقافتهم وموروثهم. فبدون احترام ثقافات الشعوب وموروثها العقدي لا ينجح قائد ولا ثورة

لا يحتاج المتابع ليعرف بأن فلسطين وقضيتها والصهيونية والإحتلال ليست على جدول أولويات أردوغان ولا هي محل صراع بينه وبين الغرب. فأولوياته كلها مسخرة لبناء حاضر، ومستقبل حرَّين لتركيا قادرة على إعمال إرادتها وقرارها السيادي والدفاع عن مصالحها ومشروعها القومي التركي. فأردوغان يستذكر كل إرث تاريخ أجداده العثمانيين وإمبراطوريتهم وخلافتهم الإسلامية ولا يتذكر موقفهم التاريخي العظيم الناصع البياض في الحفاظ على فلسطين من دهاء الغرب والصهيونية رغم كل الضغوطات والإغراءات. إلا أننا نعتقد ولو على سبيل التمني بأن تكون فلسطين على أعلى درجات سلم أولويات تركيا في الظرف المواتي القريب.

 ومع أن أردوغان لم يغير من جوهر الموقف السياسي التركي التقليدي من “إسرائيل”. ولكنه يحوم حول الجوهر حومة العرب الذين كنا نسميهم بالمعتدلين قبل أن يطبّعوا وهم رُكَّعاً وأذلة ويتقبلون وصفهم بدواب موسى وعبيد اليهود لأنهم بالفعل عبيد ولكن وحدهم. فهو متقدم عليهم بمصداقيته وبكرامته وغيرته ونواياه. حيث مع موقفه السياسي المعلن بازالة احتلال عام 67 وحل الدولتين والقدس، فإنه يعبر علنأً سياسياً وإعلامياً عن تعاطفه مع المقاومة الفلسطينية ونصرة غزة المحاصرة وبالموقف الصلب من القدس والأقصى وفي الجرأة بإدانة ممارسات الإحتلال بشكل ومضمون لم تعد قادرة عليه دولة عربية واحدة. وإني كنت سأكتفي بموقف أردوغان في رؤيته لحل الدولتين لو رهن اعترافه “باسرائيل” وعلاقات تركيا معها بتحقيقها لهذه الرؤية. وأكرر اعتقادي بأن هذا التمنع ظرفياً أيضاً ومرتبطاً بالحرص على أولوية إنجاز التحول وخوفه من التداعيات على مشروعه الوطني القومي وهذا شأنه.

يبدو أن أردوغان ظاهرة في السياسة الدولية. يخرج بتركيا في سياستيها الداخلية والخارجية عن نطاقها المألوف بشكل ملحوظ ويتوسع. وفي كل عرس له قرص. ويخوض ما يشبه الحرب في سياسته الخارجية وينجح، ويُبدع أيضاً في الداخلية ويحاكي مهاتير. وهذه الظاهرة الأردوغانية تتأكد في تصميمه وعدم تردده كعضو في حلف الأطلسي وحليفاً للغرب بالصدام وبمواجهة أمريكا وكل دولة أوروبية على مذبح ما يراه الإنتقاص من سياسته الخارجية المُعَسكرة والمرتبطة بخدمة سياسته الداخلية وبطموحات شعبه. والكثيرون من المراقبين السياسيين يحتارون بتحليل دوافعه، والبعض يرونه قصر نظر أو من شطحات جنون العظمة التي تقود تركيا للهاوية. ولكن دون كفاية البحث ودون افتراضات منهم لأسباب تجعل لسياسته مبرِّراً حكيماً، ودون ملاحظة سداد سياسته الداخلية التي من المفترض أن تنعكس إيجابيا على تقييم سياسته الخارجية.

ليس بالأمر السهل ذاك الذي يرمي اليه أردوغان من وراء سياسته الخارجية الوعرة، واضطراره للمغامرة في تحدي أمريكا والغرب. ولكني أحاول الإنطلاق من أزمة صفقة منظومة الصواريخ الروسية. فلقد كان بمقدوره التريث والتفاوض والحصول على المنظومة الأمريكية ولم يفعل ذلك، فأمريكا كانت تناقش وتحذر وتبدي استعدادها لتسوية المسألة. لكنه قطع الطريق عليها وعقد الصفقة مع روسيا ودفع ثمنها وسرَّع في وصولها واستلامها ليغلق الملف. أليس هذا عمل هادف، إنه يجنح نحو الشرق وهو في عقر الغرب وكأن في رأسه حسابات للصدام الكبير من نوع الذي تخوضه إيران اليوم، وكأنه يوم آت لا ريب فيه.

فهناك كما نعلم لدى تركيا محطة نووية من أربعة مفاعلات تبنيها روسيا على قاعدة الحصول على الطاقة باتفاق أبرم بكلفة عشرات المليارات. وسيَجهز الأول للتشغيل خلال عامين أو ثلاثة، وهناك بالمقابل تركيز تركي على تطوير الصناعات العسكرية التركية وإعداد جيل من الخبراء في الحقل النووي، وعلاقات عميقة مع الباكستان ذات الخبرة النووية , تركزت هذه العلاقات على الجانب العسكري وتبادل المنافع وقدمت تركيا لباكستان مساعدات عسكرية متقدمة. وهناك نوايا لأردوغان عبر عنها في الأمم المتحدة من خلال رفض منطق السكوت على دول ومنع أخرى من التسلح النووي. وهناك حرص على علاقته بروسيا. وهناك طموحات نووية عبر عنها بطريقته. فهل يمكن عزل كل هذا عن طبيعة سياسته، أو عزل سياسته عن هذا ؟. أمريكا والغرب ليسوا غافلين عما يُتوقع من توجه تركيا لتطوير سلاح نووي. بل أن أردوغان وحسب التقارير الصحفية أبلغ حزبه بتخوفه من دول معينة تمتلك صواريخ برؤوس نووية.

تركيا أردوغان التي بنت وتبني دولة عظيمة ومشروعاً قومياً نهضوياً، فلا بد أن يكون هذا في الإطار التحرري، ولا بد من أن تحمي منجزاتها وتطورها، ولا سبيل في عالم الأقوياء بدون سلاح نووي رادع ينقلها لدولة ذات ثقل عالمي ليحسب حسابها وحساب مواقفها السياسية. الأوروبيون والغرب ماديون مهوسون بالتآمر وبناء القوة للإبتزاز والسطو، ويتطفلون على الحكمة تطفلاً ويقسمون العالم لشرق وغرب وشمال وجنوب. لقد فشلوا في تقدير حجم وفعالية تركيا الأطلسية والحليفة كما فشلوا في المراهنة عليها وطالما فشلوا في تقديرهم لصحوة الشعوب. ونجح أردوغان في استدراجهم للفشل. ولا أدعي بأن كل سياسات أردوغان مرتبطة بحرصه على تأمين الحماية والسلامة لمشروعه النووي. لكنها بالمجل وبالنوعية منها وصلابة مواقفه أمام اوروبا وأمريكا وإيحاءاته، وبحرصه على علاقته مع روسيا لا يمكن أن يكون على خلفية أقل من حجم حرصه على بناء وسلامة مشروعه النووي.

 

سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 18/12/2020

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة وقف النار… ليلة القدر

    نبيه البرجي   ايلون ماسك، الرجل الذي قد نراه قريباً يختال على سطح المريخ، هدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـاحراق شاربيه من الفضاء. ...