آخر الأخبار
الرئيسية » السياحة و التاريخ » “سيناء” الأرض الآسيوية المنسية في قلب الهلال الخصيب

“سيناء” الأرض الآسيوية المنسية في قلب الهلال الخصيب

 

 

د.طارق سامي الخوري

 

 

لطالما كانت شبه جزيرة سيناء منطقة مثيرة للجدل جغرافيًا وسياسيًا، فهي قطعة أرض تقف عند مفترق طرق بين آسيا وإفريقيا، وبين الشام ووادي النيل. وعلى الرغم من أن سيناء تتبع مصر إداريًا اليوم، إلا أن الحقائق الجغرافية والتاريخية والثقافية تشير إلى أنها جزء لا يتجزأ من الهلال الخصيب وآسيا، لا من إفريقيا. فهل آن الأوان لإعادة النظر في تصنيفها الجغرافي؟

 

سيناء جغرافيًا: آسيوية وليست إفريقية

 

من الناحية الجغرافية، تعد سيناء امتدادًا للصفيحة التكتونية الأوراسية (الآسيوية)، وهي منفصلة جيولوجيًا عن إفريقيا التي تبدأ من غرب قناة السويس. إذًا، سيناء ليست إفريقية بالمعنى الجيولوجي، بل تقع ضمن القارة الآسيوية.

 

وتاريخيًا، شكلت سيناء المعبر الطبيعي بين بلاد الشام ووادي النيل، وكانت تستخدم كجسر بري للحضارات التي امتدت من الهلال الخصيب باتجاه مصر. هذا يوضح أن ارتباطها الجغرافي بالشرق أكثر من ارتباطها بإفريقيا.

 

سيناء في سياق الهلال الخصيب

 

عند الحديث عن الهلال الخصيب، الذي يشمل بلاد الشام والعراق وأجزاء من جنوب تركيا، نجد أن سيناء تتماشى مع ملامح هذا الإقليم من حيث الموقع والتأثيرات التاريخية والثقافية. وقد أشار المفكر أنطون سعاده إلى أن سيناء جزء من البيئة الجغرافية الطبيعية للهلال الخصيب، حيث تشكل الامتداد الجنوبي لفلسطين وليس جزءًا أصيلًا من وادي النيل.

 

أين كانت سيناء إداريًا عبر التاريخ؟

-في العهد العثماني، كانت سيناء تتبع ولاية الشام وليس ولاية مصر.

ـ حتى في عهد محمد علي باشا، كانت سيناء مجرد منطقة حدودية بين مصر والشام، ولم تكن جزءًا أساسيًا من الكيان الإداري المصري.

-الاحتلال البريطاني والإسرائيلي لسيناء كان يهدف إلى السيطرة على نقطة التواصل بين فلسطين ومصر، مما يبرز أهميتها ضمن جغرافيا الهلال الخصيب.

 

البُعد الثقافي والقبلي: فلسطين والأردن أقرب من مصر

سكان سيناء الأصليون، وهم القبائل البدوية، تربطهم علاقات دم ونسب مع قبائل النقب وغزة وجنوب الأردن أكثر من ارتباطهم بمجتمعات الوادي المصري. فالنسيج الاجتماعي واللغوي والثقافي لهم متداخل بشكل كبير مع الفلسطينيين والأردنيين، مما يعزز فكرة أن سيناء ليست مجرد امتداد لمصر، بل لها هوية خاصة أقرب إلى الشام.

حتى العادات والتقاليد في سيناء تتشابه مع أهل بادية الشام أكثر من تشابهها مع ثقافة الدلتا والصعيد المصري، مما يضيف بُعدًا إضافيًا لكونها جزءًا من الهلال الخصيب.

 

سيناء: أهمية دينية تربطها بالمشرق العربي

سيناء ليست مجرد صحراء قاحلة، بل تحمل قيمة دينية وتاريخية مرتبطة ببلاد الشام أكثر من ارتباطها بمصر الفرعونية. فهي موطن جبل الطور، الذي ورد ذكره في الكتب السماوية، وكان محطة رئيسية في مسار الأنبياء الذين عاشوا في فلسطين ومناطق الهلال الخصيب.

في السياقات الدينية والتاريخية، كانت سيناء دائمًا جزءًا من سرديات بلاد الشام، سواء في الروايات التوراتية أو الإسلامية. وهذا يعزز أنها لم تكن ضمن الثقافة المصرية القديمة كما هو الحال مع الدلتا والصعيد.

 

البُعد الاستراتيجي: سيناء بين القوى الكبرى

لطالما كانت سيناء نقطة صراع بين القوى العالمية والإقليمية. فقد حرصت القوى الاستعمارية، من بريطانيا إلى إسرائيل، على السيطرة عليها لضمان التحكم في الممرات بين فلسطين ومصر. ولو كانت سيناء مجرد صحراء مصرية، لما حظيت بهذه الأهمية الجيوسياسية عبر العصور.

كما أن سيناء لا تزال تعامل اليوم كمنطقة ذات خصوصية أمنية وسياسية، حيث يفرض الجيش المصري قيودًا على تملك الأراضي فيها، ما يشير إلى وضعها المختلف عن باقي مصر.

 

الخلاصة: سيناء ليست مجرد صحراء مصرية

بناءً على الحقائق الجغرافية والتاريخية والثقافية، يمكن القول إن سيناء أقرب إلى آسيا منها إلى إفريقيا، وأقرب إلى الهلال الخصيب منها إلى وادي النيل.

في عالم تتحكم فيه السياسة بالحدود، قد يكون من الصعب إعادة رسم الخرائط، لكن الفهم الصحيح للواقع الجغرافي والتاريخي يساعد في استعادة سيناء لمكانتها كجزء من المشهد الشامي والهلال الخصيب، وليس مجرد صحراء مصرية تابعة لإفريقيا.

 

الكاتب: نائب سابق في البرلمان الأردني

(اخبار سوريا الوطن ١-صباح الخير)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السياحة: رفع العقوبات عن سوريا يدعم ‏عودة الاستثمار السياحي إليها

    أكدت وزارة السياحة أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يفتح آفاقاً جديدة لاستعادة عملية الاستثمار السياحي، وتعزيز التعاون الإقليمي.   وأوضحت الوزارة أن ...