آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » سيناريو 1989 يتكرّر: «الإخوان» يستعيدون صدارتهم

سيناريو 1989 يتكرّر: «الإخوان» يستعيدون صدارتهم

محمود سمير

 

عمان | مفاجأة مدوّية كشفت عنها نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية، التي حملت فوزاً غير مسبوق لـ»الإخوان المسلمين»، بحصولهم على 23% من مقاعد البرلمان، ونحو نصف مليون صوت من مجموع مليون و600 ألف مقترع. وفيما تجاوزت نسبة المشاركة في الدورة الحالية، الـ32% من مجموع الناخبين، مقارنةً بـ29.9% شاركوا في انتخابات عام 2020، بحسب أرقام «الهيئة المستقلة للانتخابات»، وصف رئيس هذه الأخيرة، موسى المعايطة، العملية بأنها «نزيهة، ونتائجها تعكس مفهوم التعددية السياسية التي طالبت بها خطّة التحديث السياسية». والواقع أن النتائج حملت مفاجآت كبيرة، خصوصاً مع اجتياز 10 أحزاب العتبة المُقدّرة بنحو 41 ألف صوت، ليحلّ «حزب جبهة العمل الإسلامي» (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) في المركز الأول بنيله 17 مقعداً من أصل 41 مقعداً في الدائرة العامة المخصّصة للأحزاب على مستوى المملكة، و14 مقعداً من أصل 97 موزّعة على الدوائر المحلية الـ18 في المحافظات، مع استحواذه على مقاعد «الكوتا» النسائية في عمّان والعقبة، إضافة إلى المقعد المسيحي الوحيد في عمّان، والمقعدين الوحيدين المخصّصين للشيشان والشركس في الدوائر المحلية (عمّان والزرقاء). وفي المجمل، تُظهر النتائج تقدُّماً «إخوانياً» مكّن الحركة الإسلامية من الحصول على 31 مقعداً نيابياً من أصل 138، وهي الحصّة الأكبر التي يحصل عليها الإسلاميون في الأردن، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، في حين انكشفت الهشاشة البنيوية للأحزاب الوليدة من رحم السلطة، والتي «فرّخت» على خلفية مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، علماً أن الأخيرة خصّصت 30% من مقاعد مجلس النواب للأحزاب.

وبالنسبة إلى بقية الأحزاب التي تقاسمت المقاعد الـ24 المتبقية، فقد حصل «حزب الميثاق الوطني» المقرّب من السلطة الحاكمة، على 3 مقاعد و93 ألف صوت؛ ثم «الحزب الوطني الإسلامي» الذي يُعتبر البديل الإسلامي المفضّل للسلطة، بـ3 مقاعد و87 ألف صوت، علماً أن مخرجات اللجنة التي تعهّد الملك الأردني، عبدالله الثاني، بصون نتائجها، تتضمّن قانون الانتخاب الذي أجريت على أساسه الانتخابات، وصُمّم بطريقة تصعّب على أيّ حزب أن يحصل على الغالبية البرلمانية، أو أن يؤثّر في المشهد السياسي، على أن يخصص في الانتخابات النيابية المقبلة 50% من مقاعد البرلمان للأحزاب، وصولاً إلى 65% من المقاعد مستقبلاً.

وعلى رغم الحديث عن نزاهة عالية شهدتها الانتخابات البرلمانية في المملكة، رُصدت مخالفات تتعلّق بمحاولات التشويش وشراء الأصوات. ومع ذلك، يرى الكاتب السياسي، منذر الحوارات، أن «ثمة تغييراً جوهرياً طرأ على العقل الرسمي وعلى مستويات عدة؛ فشفافية التصويت ومصداقية النتائج أشارتا إلى أن الدولة وأجهزتها جادّة في تطبيق الوعود السابقة التي رافقت عملية التحديث وتلتها، وهو ما أعطى شعوراً بالارتياح العام وبأن الدولة بدأت تتغلّب على مخاوفها من أن الانفتاح قد يقود إلى مخاطر لا تُحمد عقباها، على غرار ما حصل في العديد من الدول المجاورة». ويعتقد الحوارات أن «الخيارات كانت محدودة أمام مستويات صنع القرار في مواجهة واقع معقّد من كل النواحي الداخلية والخارجية، وأهمها العدوان الإسرائيلي في الضفة وغزة». ومن هنا، فإن «خيار إشراك المجتمع في صناعة القرار، أو على الأقل إطلاعه مباشرة على آليات صنعه يُعتبر قراراً موفّقاً»، من شأنه أن «يعيد ترميم الثقة المفقودة» بحسبه.

وفي النتائج، ترافق تصدُّر «الإخوان المسلمين» مع خسارة مدوّية للأحزاب اليسارية التقليدية أو حتى الجديدة منها، على صعيد القوائم الحزبية، حيث لم تتمكّن من تشكيل قوائم موحّدة في ما بينها، الأمر الذي بدّد أصواتها الانتخابية، وأجهض فرصتها في الوصول إلى البرلمان، فيما جاء أداء «الإخوان» مغايراً لما توقّعته قيادة «جبهة العمل الإسلامي»، إذ كان الأمين العام للحزب، وائل السقا، يتوقّع، وفق ما يقول في حديث إلى «الأخبار»، أن تحصل قائمة الحركة الإسلامية على ما بين 10-12 مقعداً على القائمة الوطنية. ولا يخفي السقا أنه كانت ثمة مخاوف لدى الحزب من هندسة الانتخابات من قِبَل قوى الشدّ العكسي داخل الدولة. لكن، وفقاً له، فإن «النتائج جاءت من الشارع الأردني وعلى الجميع احترامها، واحترام إرادة الشعب الأردني، وندعم استمرار الشفافية والنزاهة في العملية الديمقراطية».

وأعاد هذا الفوز، «الإخوان» إلى انتخابات عام 1989، حين حازت الحركة الإسلامية أفضل نتائجها بحصولها على 22 مقعداً من أصل 80 مقعداً في البرلمان آنذاك، بنسبة 53.1%. وآنذاك، تميّزت الدورة بإقبال واسع على الاقتراع، وقبول طلبات مرشّحي الأحزاب والتنظيمات السياسية، على رغم أن قانون الانتخاب يمنع ترشيح أعضاء التنظيمات والأحزاب التي تتنافى مبادئها وأهدافها مع الدستور. على أن تجربة انتخابات 1989، جاءت في ظروف سياسية واقتصادية صعبة، وفي وقت كانت البلاد تعاني فيه من ضغوط اقتصادية جراء موقفها من حصار العراق، وانخفاض سعر صرف الدينار الأردني في نهاية حرب الخليج الأولى، بالإضافة إلى قرار الحكومة رفع الأسعار قبل أن تنفجر هبة شعبية عُرفت لاحقاً بـ»هبة نيسان»، وأفضت إلى إجراء الانتخابات التي فاز فيها «الإخوان». أمّا في الانتخابات ما قبل الأخيرة، فبلغ عدد مقاعد الحركة 7 من أصل 130 مقعداً، و16 مقعداً في انتخابات عام 2016.

كذلك، سجّلت نتائج الانتخابات سابقة جديدة بتقدُّم «الإخوان» في قواعد عشائرية، حيث تصدّرت قائمة الحركة محافظات معان والطفيلة (جنوب المملكة)، وحتى دوائر البدو عموماً. والواقع أن الظرف الإقليمي لعب دوراً أساسياً في دعم الحركة الإسلامية، خاصة مع خوض المقاومة الفلسطينية حرباً واسعة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والمحلّل السياسي في الشؤون الشرق أوسطية، عريب الرنتاوي، أن «طوفان الأقصى يبشّر بأن المرحلة المقبلة ستشهد عودة الإسلام السياسي، بطبعته الإخوانية»، مشيراً إلى أن «حماس أعادت بعث الوطنية الفلسطينية، ونفضت عن نفسها غبار الاتهامات بأنها ذراع مسلحة للمرشد والحركة العالمية للإخوان». ويعتبر الرنتاوي أن «الإسلام السياسي يفتح باباً لعروبة متصالحة مع الإسلام، بخلاف العروبة الجديدة التي تبشّر بها عواصم إبراهيمية»، مضيفاً أن «نتائج الانتخابات النيابية تأتي مصداقاً لما ذهبنا إليه»، متابعاً أن «مفاجأة اكتساح الصناديق تملي على الجميع إعادة نظر جدية في ما يدور من حولنا، وقراءات أعمق لتداعيات زلزال السابع من أكتوبر».

 

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ما دور الحكومة بين التضخم الاقتصادي العادي والتضخم الجشع؟

    | د. قحطان السيوفي   شهد العالم في السنوات الأخيرة أزمات جيوسياسية واقتصادية واجتماعية، من جائحة كورونا، إلى الحرب الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية العدوانية ...