د. سلمان ريا
حين تهب الرياح العاتية على وطن ما، فإن جذوره الحقيقية لا تكمن في حجارة مبانيه ولا في حدود خرائطه، بل في طاقات أبنائه، وفي مقدمتهم شبابه. واليوم، في زمن الانقسام والتحديات، يقف الشباب السوري على عتبة التاريخ، حاملين بين أيديهم فرصة نادرة لصياغة مستقبل جديد لسوريا، مستقبل تتجاوز فيه جراح الماضي وتُبنى فيه جسور الوحدة.
يمثل شباب سوريا الثروة التي لا تنضب، والرصيد الأكبر الذي يملكه الوطن. فهم القادرون على تحويل جراح الأمس إلى جسور للغد، وعلى جعل أنقاض المدن بذورًا لنهضة جديدة. إنهم مورد الوطن المتجدد، والأمل الذي يحوّل التحديات إلى فرص، واليأس إلى عمل، والانقسام إلى وحدة.
إن التنمية المستدامة بالنسبة للمجتمع السوري ليست ترفًا فكريًا ولا شعارًا سياسيًا، بل هي ضرورة وطنية عاجلة لرفع سوية الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهي تبدأ من الأفكار والمبادرات التي يطلقها الشباب في ميادين التعليم، والزراعة، والطاقة، وريادة الأعمال، وحماية البيئة. تنمية تحافظ على موارد الوطن، وتبني الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال القادمة.
ولكي يتحقق هذا المسار، فإن دور الشباب يمكن أن يتجسد في خطوات عملية واضحة، منها:
1. التعليم المستمر والتطوير الذاتي: اكتساب مهارات حديثة في مجالات التكنولوجيا، واللغات، وإدارة المشاريع، لأن بناء الأوطان يبدأ من بناء الإنسان.
2. ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة: إطلاق مبادرات إنتاجية محلية توفر فرص عمل وتقلل الاعتماد على الخارج.
3. الزراعة الذكية وحماية الموارد الطبيعية: الاستثمار في تقنيات الري الحديثة، وتشجير الأراضي، والحفاظ على المياه.
4. المشاركة المجتمعية الفعالة: الانخراط في الجمعيات والمنظمات الشبابية لنشر ثقافة العمل التطوعي وخدمة المجتمع.
5. التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر: استخدام الطاقة المتجدّدة، وإعادة التدوير، وتقليل التلوث.
6. تعزيز ثقافة الحوار والتسامح: فالتنمية الحقيقية لا تزدهر في بيئة يسودها الانقسام.
إن الاستثمار في طاقات الشباب ليس خيارًا ثانويًا، بل هو الشرط الأساسي لنهضة سوريا القادمة. فالعالم لا يحترم إلا الأمم التي تحسن استثمار عقول أبنائها وتصنع مستقبلها بيديها.
إن سوريا التي يحلم بها شعبها لن تُمنح من أحد، بل ستُبنى بسواعد شبابها وعقولهم. وحين تتحد الإرادة مع العمل، والعلم مع الإبداع، سيعود الوطن بستانًا يانعًا يظلّل أبناءه جميعًا، مهما اختلفت ألوانهم وأصواتهم. هذه ليست أمنية بعيدة، بل وعد قابل للتحقق، إذا آمنا أن قوة سوريا الحقيقية تبدأ من شبابها… وتنتهي بهم.
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)