يحيى دبوق
يبدو من المبكر جداً الحديث عن حل «الكنيست» الإسرائيلي أو التوجّه نحو انتخابات مبكرة، حتى لو صوّتت الأحزاب «الحريدية»، اليوم، لمصلحة مشروع قانون الحلّ، الذي قدمته أحزاب المعارضة. فرغم تصاعد حدة الأزمة السياسية ووصولها إلى مستوى يهدّد استقرار حكومة بنيامين نتنياهو، إلا أن الوضع ما يزال يتيح هامشاً للمناورة والتوصل إلى تسويات.
وكان الخلاف حول قانون تجنيد طلاب المدراس الدينية في الجيش الإسرائيلي، قد دفع بالأحزاب «الحريدية» إلى اتخاذ خطوات تصعيدية، من بينها التلويح بسحب دعم الحكومة والدفع نحو الانتخابات. غير أن هذا التحرّك لا يبدو نابعاً من رغبة فعلية في إسقاط الحكومة، بل يظهر أقرب إلى أداة ضغط سياسية تهدف إلى دفع نتنياهو إلى تنفيذ وعوده القديمة غير المنجزة بشأن سنّ قانون يعفي طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.
ولعل ما يزيد المشهد تعقيداً، هو الانقسام داخل المعسكر «الحريدي» نفسه، الذي ما يزال يعاني خلافات عميقة بين التيارات المختلفة، رغم النجاح النادر الذي حقّقه في هذه المرحلة، والمتمثل في توحيد صفوفه بشكل جزئي للضغط على نتنياهو في مسألة التجنيد. ومع ذلك، ما تزال الجهود مستمرّة، خاصة من حزب «شاس»، ورئيسه الوزير آريه درعي، للبحث عن مخارج ترضي جميع الأطراف، سواء قبل التصويت الرمزي اليوم أو بعده. والجدير ذكره، هنا، أن تصويت الأحزاب «الحريدية» لمصلحة القانون المقدّم من المعارضة، لا يعني بالضرورة التوجّه الفوري نحو انتخابات جديدة؛ إذ إن المسار القانوني لإقرار قانون حلّ الكنيست طويل نسبياً، وهو ما يمنح الأطراف المتخاصمة وقتاً كافياً لإعادة الحسابات والدخول في مفاوضات من شأنها أن تغيّر مجرى الأحداث.
وسبق أن أعربت القيادات الدينية في الجناح الليتواني لحزب «يهودات هاتوراه»، عن غضبها من المحاولات الجارية لسنّ قانون يجرّم رفض «الحريديم» الخدمة العسكرية الإلزامية، ويفرض عقوبات مدنية عليهم؛ وطالبت بالانسحاب الفوري من الحكومة والعمل على إسقاطها إن لم تُبلور تسوية داخل لجنة الخارجية والأمن في «الكنيست»، حيث يجري العمل على التشريع الجديد. وهذا التحرّك الرافض، لا يعكس رفضاً أيديولوجياً للتجنيد فقط، بل يظهر أيضاً حالة من الإحباط المتراكم لدى «الحريديم» من تعامل نتنياهو مع وعوده، التي كرّر خرقها من دون مراعاة المخارج السياسية أو الدينية، التي تحمي مصالح هذه الفئة من المجتمع.
ومع أن تلك الخطوة قد تبدو انتحارية من الناحية السياسية، خاصة أن «الحريديم» لا يملكون بديلاً واضحاً من نتنياهو، ولا يأملون بحكومة أخرى أكثر التزاماً بمصالحهم، إلا أنها تعبير عن تحرّك يائس يهدف إلى استعادة زمام المبادرة، وإجبار رئيس الحكومة على العودة إلى طاولة المفاوضات، حاملاً معه حلولاً فعلية وقابلة للتطبيق. أما إذا امتنعت الأحزاب الدينية اليوم عن التصويت، فسيُعدّ ذلك مؤشراً إلى توصّل الأطراف إلى تسوية في اللحظات الأخيرة.
وفي هذه الحالة، سيسقط اقتراح القانون المقدّم من المعارضة، وستنجو حكومة نتنياهو من السقوط، فيما ستعود أزمة قانون التجنيد إلى نقطة البداية مع كسب المزيد من الوقت. وعلى أي حال، من المرجّح أن تكون هكذا تسوية هشة ومؤقتة، وأن يعود الخلاف حول هذا الملف إلى الواجهة مستقبلاً، بمجرّد أن تنكشف أي ثغرة أو يحصل تأخير في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
ومع ذلك، سيؤدي إسقاط اقتراح القانون، نتيجة امتناع «الحريديم» عن دعمه، إلى تحصين نتنياهو وحكومته لمدة زمنية معتدّ بها، بالنظر إلى أن طرحه من جديد لن يكون ممكناً قبل ستة أشهر، وفقاً للقوانين الإسرائيلية، في حين أن تصويت «الحريديم» لمصلحته سيكون إجراءً رمزياً أكثر مما هو خطوة عملية نحو انتخابات فعلية؛ بالنظر إلى أن المسار التشريعي يتطلّب مرور الاقتراح بتصويتين ثانٍ وثالثٍ، وهي عملية قد تستغرق وقتاً يتيح للجميع، خاصة نتنياهو ودرعي، مواصلة المفاوضات والتحرّك خلف الكواليس لإيجاد مخارج. وبالنتيجة، سواء جرى التصويت أو لم يجرِ، فإن القرار النهائي لن يكون اليوم، بل لاحقاً، وهو ما سيحدّد مدى جدية الأطراف في التصعيد أو التهدئة.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار