بقلم د. حسن أحمد حسن
لا يختلف عاقلان على أن الظروف العامة التي يعيشها السوريون ضاغطة ومؤثرة على الروح المعنوية والإرادة التي بدونها لا يمكن الانتقال من مرحلة المراوحة قي المكان إلى مرحلة الانطلاق بثقة ويقين نحو الأمام، وبغض النظر عن الجانب العاطفي ودوره في طرائق تفكير أبناء المنطقة في غالبية الشرق الأوسط يمكن القول بيقين كبير: إن المعادل الموضوعي شبه الوحيد الذي يساعد المواطن السوري على التمسك بالأمل، وبإمكانية تغير الواقع القاسي المعاش يكمن في إطلالات السيد الرئيس بشار الأسد وكلماته التي تخاطب العقل والوجدان بآن معاً، وفي كل مرة يتم فيها نقل خطاب للسيد الرئيس أتابعه كجميع السوريين باهتمام كبير، وأعيد قراءة النص أكثر من مرة بعد نشر المضمون في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وفي كل مرة أعيد على نفسي طرح السؤال المتضمن: طالما أن السيد الرئيس يتناول في أحاديثه وخطاباته واقع البلد، ويتناول بشفافية ووضوح هواجس الداخل السوري ويشرح تفاصيل الأوضاع بعلمية ودقة بالغتين، مبيناً مواطن الألم، وأدوات العلاج، والتدابير الواجب توافرها واعتمادها، والمسار المطلوب للانتقال نحو الأفضل بشكل منهجي وعلمي وموضوعي ينطلق من الواقع القائم كما هو بسلبياته وإيجابياته فلماذا المراوحة في المكان؟
نعم يرتفع مستوى الأمل لدى الجميع بعد كل خطاب للسيد الرئيس، ويتوقع غالبية المهتمين بالشأن الفكري والمجتمعي أن يروا مرتسمات عملية على أرض الواقع لتجسيد ما يطرحه ويوضحه سيادته بما يقنع العقل، لكن دوران عجلة الحياة المجتمعية اليومية قد لا يوحي بخطوات جادة وعملية يتم تنفيذها لترجمة الأفكار المتضمنة في أحاديث السيد الرئيس، أو أن هناك ما يتم فعله وإنجازه حقاً، لكن لا يتم تداول الأمر إلا ضمن المكلفين بإنجاز ذلك، وهذا بحد ذاته أمر يستحق التوقف عنده بكثير من الجدية والمسؤولية بآنٍ معاً، فإمكانية تغيير الوضع إلى الأفضل ممكنة، لكن بمقاربات جديدة كما أوضح السيد الرئيس، وبخاصة في خطابه الأخير في مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع، فكل ما يهم المواطن السوري بالعناوين العريضة نجدها متضمنة في حديث السيد الرئيس وما طرحه من أفكار وعناوين ومنطلقات عمل كافية لأن تحدث نقلة نوعية في الحياة المجتمعية شريطة الالتزام والتقيد بتلك المضامين، سواء ما يتعلق بالعلاقة بين مجلس الشعب وبقية الوزارات والمؤسسات الحكومية، أو ما تناول فيه الوضع الاقتصادي بكثير من التفصيل الذي يحتاجه كل مواطن لفهم حقيقة الواقع القائم، ومدى إمكانية تحسين الظروف القائمة بشكل عام، وقد يكون مفيداً تكليف عدد من الباحثين والمختصين بالشأن الاقتصادي باستخلاص أهم العناوين والأفكار العامة التي تضمنها الخطاب، وبخاصة في الجانب الاقتصادي، وإعادة تقديمها للجميع بما يتناسب ومستوى الوعي لهذه الشريحة أو تلك من شرائح المجتمع السوري، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالجانب السياسي، وصمود أهلنا في الجولان، والدور المشرف الذي تؤديه المقاومة، بالإضافة إلى موضوع العلاقات التركية ــ السورية وكيف شرح السيد الرئيس ملابساتها بشكل مفهوم وقريب إلى الأذهان ومقنع لكل من يريد الاحتكام إلى العقل والمنطق، بعيداً عن كل ما له علاقة بما يسمونه “السبق الصحفي” الذي أضحى ميداناً للتسابق المرافق للعديد من البرامج الحوارية وضيوفها الذين يتفننون في استعراض مهاراتهم التحليلية الكفيلة بإضاعة بوصلة الرأي العام جراء الضخ الإعلامي غير المسبوق على العديد من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
باختصار شديد يمكن القول: إن الخطاب زاخر بالمعرفة المطلوبة والضرورية للجميع، فضلاً عن العديد من العناوين والأفكار الغنية التي يجب العمل على ترسيخها لتغدو جزءاً من طرائق تفكير المواطن السوري التي تحدد بدورها طرائق السلوك، ويمكن الإشارة إلى بعض تلك الأفكار والعناوين، ومنها:
ــــ الثقة العامة رصيد سريع النفاد ما لم تتم تغذيته بالعمل الدؤوب وبالتواصل المستمر وبالإنجاز والإثمار.
ــــ بدأ الدور التشريعي لمجلس الشعب مهامه وسط حراك تطويري بمؤسسات الدولة، والتأثير الملموس للمجلس مشروط بأن يكون التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، بحكم العلاقة الوثيقة بين مؤسسات الدولة، ومجلس الشعب هو المؤسسة الأهم لانعكاس أدائها على مؤسسات الدولة كافة، والتطوير يبدأ بتصحيح المفاهيم العامة التي تشكل القاعدة الأساسية لعمل المؤسسة.
ــــ الحصانة التي يتمتع بها أعضاء المجلس ليست امتيازاً أو استثناءً، بل هي وقاية لهم من أي تأثير يعيق مهامهم الدستورية والقانونية، فصاحب الحصانة ليس فوق القوانين والأنظمة، بل يجب أن يكون الأعضاء سباقين إلى تطبيق القوانين والخضوع لها، باعتبارهم مسؤولين عن إصدارها وسلامة تطبيقها.
ـــ الرقابة ليست حالة مؤقتة أو مزاجية أو رأياً شخصياً، بل هي أداة منهجية ثابتة من أجل قياس الأداء وقياس الإنجاز، وهي جوهر عمل مجلس الشعب، ولا يمكن أن تتم من دون مرجعية، فالمرجعيات الإجرائية هي التي تحدد طبيعة العلاقة بين المجلس وبين بقية المؤسسات وخاصة في السلطة التنفيذية.
ـــ السياسة العامة للدولة تنبثق عن الرؤية، وهناك خطط تنبثق عن السياسة، كما أن هناك أهدافاً يجب الوصول إليها، ولا يجوز مناقشة الإجراءات والخطط ما لم تتم مناقشة أو إقرار السياسات والإستراتيجيات التي تحكمها وتؤطرها، والتي من دونها ستكون الخطط والإجراءات عبارة عن حالة عشوائية، غير منسجمة، ولا متجانسة، وقد تضر أكثر مما تنفع بغض النظر عن صحتها أو خطئها، ومن المهم والضروري ترسيخ هذه المفاهيم في أذهان الجميع، بمن في ذلك المكلفين بمسؤوليات قيادية عليا.
ـــ ضرورة اعتماد آليات عمل جديدة في مجلس الشعب على أن تكون منهجية واضحة تمنع العمل الفردي على حساب المؤسسي، والشخصي على حساب العام، والشعبوي على حساب الوطني، والارتجالي على حساب العلمي المبني على أسس واضحة سببية معللة، ولا يجوز إقرار السياسات التي تقترحها السلطة التنفيذية قبل البحث مع مسؤوليها بتوفر الأدوات الضرورية لتنفيذها، وبناء النقاشات على تشخيص دقيق للواقع والأسباب، والتشخيص أساسه الوضوح والشفافية.
ـــ الرقابة والمحاسبة مصطلحان لكل منهما دلالاته، فالرقابة تكون على المؤسسات، والمحاسبة تكون للمسؤولين في حالة التقصير، وما لم يكن هناك آليات سليمة للرقابة فلا يمكن أن تكون هناك آليات سليمة للمحاسبة، لأن الرقابة والمحاسبة مسؤولية قبل أن يكونا سلطة، فالسلطة من دون مسؤولية تؤدي إلى الخراب، والمسؤولية من دون معرفة تؤدي إلى الفوضى.
هذه بضعة أفكار عامة وعناوين أساسية متعلقة بعمل مجلس الشعب، ويمكن استخلاص أضعاف هذه العناوين المتعلقة بالوضع الاقتصادي وتوضيح مدخلاته ومخرجاته، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعلاقات السورية التركية، حيث أوضح السيد الرئيس: ” أننا نعمل في هذا الموضوع بشكل منهجي وبشكل واقعي، المهم أن يكون لدينا أهداف واضحة ونعرف كيفية السير باتجاه هذه الأهداف، وأياً تكن الخطوات المحتملة فسيكون أساسها السيادة، وحدودها السيادة، ومعيارها السيادة أيضاً” وعندما تذكر السيادة يحضر الجولان وأبناؤه الذين قدموا كما قال سيادته: “الكثير من العبر، فبرهنوا أن غياب السيادة عن أرضه لا تعني سقوط الوطنية من وجدان شعبه، بل تعني ارتقاءها في قيمه، وأن احتلال الأرض لا يعني بيع العرض، وأن الوطنية ليست مظهراً، ولا ادعاء بل انتماء متجذر ووفاء وولاء”، وكذلك الجانب المتعلق بالمقاومة الفلسطينية التي استطاعت بساعات من البطولة وأشهر من الصمود أن تسقط عصوراً من الوهم، ويستحق أولئك الأبطال مع المقاومين في لبنان وفلسطين والعراق واليمن أن يتخذوا أسوة وقدوة وأنموذجاً ومثالاً يقتدي به في طريق التحرير طريق الكرامة والشرف والاستقلال الناجز.
باختصار شديد يمكن القول: إن تغيير الأوضاع ليس مستحيلاً، بل ضمن الإمكانيات المتاحة شريطة تغيير مقارباتنا للمواضيع وتفعيل مؤسساتنا في عملها، فجزء من مشاكلنا كما قال السيد الرئيس: “مصدّر إلينا، وجزء آخر مصنّع لدينا، وتغييره هو بأيدينا وهو بفكرنا وهو بإرادتنا”.
(موقع سيرياهوم نيوز -١)