شانتال عاصي
العالم يغلي على وقع طبول الحرب، والتصعيد بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل لم يعد مجرد نذر، بل تحوّل إلى واقع مشتعل. فجر اليوم، هزّت العاصمة الإيرانية طهران سلسلة انفجارات ضخمة، إثر هجوم جوي إسرائيلي غير مسبوق، استهدف مواقع عسكرية وحيوية في قلب الجمهورية الإسلامية، لتدخل المنطقة مرحلة جديدة من المواجهة قد لا تكون بعدها عودة.
بحسب مراسلين ميدانيين، هزّت الانفجارات أحياء مختلفة من طهران، بينما أعلنت وسائل إعلام رسمية إيرانية مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، في تطور هو الأخطر منذ عقود. وأكدت القناة 13 الإسرائيلية أن الهجوم استهدف أيضاً رئيس الأركان الإيراني، قادة كباراً في الحرس الثوري، وعلماء نوويين، في محاولة واضحة لتفكيك البنية القيادية والعلمية للنظام الإيراني.
“الأسد الصاعد”: ضربة افتتاحية أم بداية لحرب طويلة؟
الجيش الإسرائيلي أعلن رسميًا إطلاق عملية “الأسد الصاعد”، مشيرًا إلى أن عشرات الطائرات نفذت “ضربة افتتاحية” شملت منشآت نووية، مقار عسكرية، منصات صواريخ، وأنظمة دفاع جوي. ووصف المصدر الأمني الإسرائيلي هذه الضربة بأنها بداية لجولات متعددة من الهجمات، معتبرًا أن “الفرصة سانحة عسكريًا وديبلوماسيًا”.
وفي حين نقلت القناة 12 الإسرائيلية أن العملية حققت “نتائج أفضل من المتوقع”، تحدّث موقع “واللا” عن “احتمال كبير بتصفية هيئة الأركان الإيرانية” في الضربة الأولى.
طهران تحت الصدمة… والرد آت
رغم محاولة الإعلام الإيراني التخفيف من وقع الضربة ووصفها بـأنها “حرب نفسية”، فإن حجم الهجوم والخسائر المعلنة تنذر برد إيراني قاسٍ، قد يطاول القواعد الأميركية في العراق أو يستهدف الداخل الإسرائيلي مباشرة. طهران، التي لطالما لوّحت بردود صاروخية، كانت قد أعدّت، بحسب تسريبات سابقة لصحيفة “نيويورك تايمز”، خطة رد تشمل إطلاق مئات الصواريخ الباليستية في اتجاه إسرائيل في حال اندلاع حرب شاملة. واليوم، يبدو أن ساعة هذه الخطة اقتربت.
حرب الاغتيالات: عندما تتحول الرسائل إلى نار
اللافت في المشهد الجديد أن إسرائيل لم تكتفِ برسائل الردع، بل انتقلت إلى تنفيذ اغتيالات نوعية، في قلب العاصمة الإيرانية، ضد أعلى الهرم العسكري. هذه ليست مجرد “ضربة وقائية”، بل إعلان صريح أن تل أبيب اختارت خوض المعركة لتقويض أي إمكانية إيرانية لامتلاك السلاح النووي.
في المقابل، حذّر حسين سلامي نفسه قبل أيام فقط من أن “أي خطأ صهيوني سيحوّل إسرائيل إلى عبرة للتاريخ”. واليوم، بعد اغتياله المفترض، تتعاظم المخاوف من تصعيد غير مسبوق على جبهات متعددة، قد لا تقتصر على إيران وإسرائيل فحسب، بل تشمل لبنان، سوريا، الخليج والعراق.
لبنان… في مرمى النار؟
وفي ظل هذا المشهد المشتعل، يبرز سؤال ملح: ماذا عن لبنان؟ هذا البلد الذي لم يتعافَ بعد من ويلات الحرب، ولا يزال يدفع ثمن المواجهة الأخيرة مع إسرائيل قبل بضعة أشهر، هل يُقدّر له أن يكون ساحة إضافية لتصفية الحسابات الإقليمية؟
لبنان الذي يرزح تحت وطأة انهيار اقتصادي غير مسبوق، وأزمة سياسية خانقة، بالكاد قادر على التقاط أنفاسه، فكيف له أن يتحمل عبء حرب جديدة قد تجره إلى أتون كارثة لا طاقة له بها؟ حتى اللحظة، لم تندمل جروحه، ولا مؤسسات الدولة قادرة على إدارة أزمة جديدة بهذا الحجم، في وقت يحتفظ فيه “حزب الله” بموقعه كلاعب رئيسي في محور المقاومة، وقد يجد نفسه منخرطًا تلقائيًا في أي مواجهة شاملة مع إسرائيل.
السؤال المطروح اليوم: هل يُترك لبنان في منأى عن هذه المعركة الكبرى، أم يصبح مجددًا ساحة للرسائل النارية، وتبادل الصواريخ، والخسائر الجانبية؟ الإجابة رهن التطورات المقبلة ومدى اتساع رقعة الاشتباك، والتي إن خرجت عن السيطرة، فلن تستثني أحدًا.
الحرب الكبرى
ما كان بالأمس مجرد سيناريو تحذيرياً، بات اليوم واقعًا يتطور كل ساعة. فالدخان المتصاعد من جبهات عدة لم يعد رمزيًا، بل يُنذر بانفجار إقليمي قد يتجاوز كل الحدود المألوفة.
جميع الأطراف تدرك تمامًا أن تكلفة الحرب الشاملة ستكون باهظة سياسيًا، اقتصاديًا، وأهم من ذلك، إنسانيًا. ومع ذلك، فإن الحسابات الباردة لم تعد تضبط إيقاع الأحداث. الميدان هو من يتحكم بالمشهد، والأرض باتت ساحة لتبادل الرسائل الدموية، لا للمبادرات الديبلوماسية.
غياب التهدئة الفعلية، واتساع رقعة الاشتباك الكلامي والعسكري، وانعدام الثقة بين الخصوم، كلها عوامل تجعل من أي خطأ، ولو كان تكتيكياً، شرارةً لحريق استراتيجي يصعب احتواؤه. وحتى الآن، لا أحد يملك مفتاح التراجع، ولا أحد يبدو مستعدًا لدفع ثمن التهدئة.
الشرق الأوسط يقف اليوم على حافة الهاوية، تتنازعه قوتان: عقلانية اللحظة الأخيرة، وجنون التصعيد الذي لا يعترف بالحسابات. فإما أن يتم التوصل إلى تسوية عاجلة تُعيد رسم خطوط الاشتباك وتثبّت قواعد اللعبة، وإما أن ينزلق الإقليم إلى انفجار واسع يكتب فصولًا جديدة من الفوضى، لن تقتصر شظاياه على الحدود المتنازَع عليها.
فهل تنجح مساعي اللحظة الأخيرة في إطفاء النار قبل أن تلتهم الأخضر واليابس؟ أم أننا أمام ساعات حاسمة تُشعل الجبهات دفعة واحدة، وتُدخل المنطقة في المجهول؟
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار