في عالم مترع بالتحولات، تبزغ دور النشرنموذجاً حيّاً لتناول المسؤوليات بحساسية ووعي عميق كمنارة ثقافية تحمل إستراتيجيات النهوض بالوعي الوطني والقومي وزرع بذور المعرفة والإبداع في عقول القرّاء عبر حكاية ثقافية جديدة تتحدى الصعوبات، مؤذنة بمستقبل واعد للقراءة والنشر.
صحيفة تشرين التقت مديرة دار” دلمون “الجديدة أ. عفراء هدبا وكان لنا معها هذا الحوار:
ترجمة لحلم
• كيف استهلت عفراء هدبا مهندسة الميكانيك، الشغفة بالكتب والروايات، فكرة تأسيس دار دلمون الجديدة ؟ ماذا عن البدايات 2014؟
جاءت فكرة تأسيس دار دلمون الجديدة للطباعة والنشر، ترجمة لحلم طالما راودني، خاصة أني نشأت في بيئة تقدّر الكتاب وتفرد للقراءة مساحة كبيرة من اهتماماتها،، أما القرار فكان نابعاً من إيمان حقيقي أن الثقافة هي اللبنة الأولى لبناء العقل وتحصينه في مواجهة الاستلاب الفكري والغزو الثقافي وموجات التغريب والعولمة، وكان التحدي الأكبر في ظل الظرف الاقتصادي والسياسي والمجتمعي الذي تمر به سورية خلال حرب غير مسبوقة، استهدفت حضارتها وتاريخها ونسيجها الاجتماعي الذي تميز بالغنى والتنوع، عندها قررت وبإصرار أن أخوض هذه التجربة بعزيمة وأدخل هذا المضمار رغم الصعاب، وكانت البداية بإطلاق دار دلمون كمشروع غير ربحي، لدعم الشباب في خطواتهم الأولى على دروب الثقافة، وقد أقمنا لذلك مسابقة رصدنا من خلالها حجم الإقبال ومدى إقدام شبيبتنا على التزود بالمعرفة، والتفاعل مع عروضها، وهذا ما لمسناه بالفعل.
دعم الشباب
• كيف تتعاملين مع التحديات الخاصة بتشجيع القراءة وشراء الكتب في ظل الظروف الراهنة؟
لقد نجحنا في الرهان على مكانة القراءة التي لم تتراجع، وعملنا على تسويق الكتاب بآلية تتيح وصوله إلى القارئ بأسهل السبل من خلال عروض مغرية وأسعار تشجيعية لا تتجاوز في بعض الأحيان سعر التكلفة، مع تقديم هدايا للطلاب واليافعين والأطفال بلامقابل سوى دفعهم إلى القراءة وعالم الكتب.
مشروع لدعم الشباب على دروب الثقافة
• قمتِ بتنظيم المسابقات للشباب، حدثينا عنها وكيف ساهمت هذه الفعاليات في تنمية ثقافة القراءة؟
كما أسلفت كانت فكرة المسابقة منطلقًا لنا لدخول عالم الطباعة والنشر واستقراء واقع الثقافة وما يفرزه من طاقات ومواهب مبشرة على دروب الإبداع، فقررنا في دار دلمون أن نُقدِم على هذه الخطوة لدعم الشباب وتحفيزهم على العطاء المبدع .. قمنا بنشر الأعمال الفائزة على نفقتنا الخاصة بعد خضوعها للتقييم وفق معايير دقيقة من قبل لجنة تحكيم قديرة ونزيهة تضم نخبة من الأدباء والشعراء المجيدين، مع هدايا عينية للفائزين، وقد كان لهذه التجربة صدى متميز، مازلنا نحصد نتائجه إلى اليوم ونحن نتابع عطاءات الشباب وقد تبلورت تجاربهم الأدبية ونضجت أدواتهم وباتت أسماؤهم متداولة على المنابر الثقافية، وسنكرر هذه التجربة ما أوتينا من عزم وإصرار
إستراتيجية النشر
• هل هناك كتب أو روايات معينة تركزين عليها في دار النشر، وما هي معايير اختيارها؟
نعم لاشك أنّ لدينا في دار دلمون معايير دقيقة في الطباعة والنشر، ولدينا إستراتيجية لا نحيد عنها كذلك، ومع احترامنا لحرية الرأي والتعبير، هناك خطوط حمراء لا نتجاوزها وهي تتعلق بالثوابت الوطنية والقومية وتعزيز القيم الإنسانية والمجتمعية النبيلة وهذا يندرج مع الدور الوظيفي للثقافة كعامل نهوض اجتماعي وأخلاقي..
تشكل المعارض فرصة جيدة للكتّاب والمؤلفين، وتتيح لهم فرصة تسويق منتجهم الإبداعي
• كيف تؤثر مشاركتك في المعارض على دار النشر وعلى الكتّاب أنفسهم؟
تأتي أهمية المشاركة في معارض الكتب المحلية والعربية، لكونها تشكّل نافذة للإطلالة على عالم الكتب وواقع الكتاب وقضايا النشر ، وتبادل الخبرة والرأي مع دور النشر الأخرى وعقد صفقات تقوم على التبادل الثقافي والمعرفي.. وتشكل المعارض فرصة جيدة للكتّاب والمؤلفين، وتتيح لهم فرصة تسويق منتجهم الإبداعي.. رغم ما تكبدنا هذه المعارض من عناء ونفقات وعدم تحقيق الجدوى الاقتصادية من المشاركة، نظراً لارتفاع سعر التكلفة واستفحال الأزمة الاقتصادية على مستوى المنطقة والعالم، ما أرخى بظلاله على سوق الكتاب.
• ما هي الدروس المستفادة من تجربتك الشخصية في إدارة دار النشر ؟
خلاصة التجربة بعد سنوات في عالم الكتاب مع ما يتخللها من متابعة للحراك الثقافي والمشاركة في الفعاليات الثقافية، من ندوات ومحاضرات ومعارض، كل ذلك شكّل حصاداً معرفياً ثرياً على المستوى الشخصي، حيث ألتقي باستمرار بكتّاب وأدباء ونقاد وندخل في مشاريع مشتركة لنصبح جزءاً من الحراك الثقافي وتتجاوز الدور النمطي والتقليدي للناشر، بالارتقاء إلى الفعل المؤثر والقادر على جسر الهوة بين الكاتب والجمهور المستهدف…
• كيف تقيّمين اهتمام الشباب العربي و السوري على نحو خاص بالقراءة، وهل ترين تحسناً في هذا الاتجاه؟
ما يثلج الصدر فعلاً، وخاصة في الدورة الثالثة لمعرض الكتاب السوري، استطعت تلمس هذا الأمر والوقوف على علاقة الشباب بالقراءة وعالم الكتاب، وأستطيع أن أؤكد بهذا الصدد أنّ جيل الشباب في سورية كان على مستوى المسؤولية الوطنية والقومية المنوطة به، وهو جيلٌ واعٍ نستطيع أن نعوِّلّ عليه في بناء مستقبل هذا البلد بعد سنوات الحرب العجاف التي لم تزده إلّا تمسكاً بهويته وأصالته وانفتاحه على الثقافات الأخرى، من خلال اختياره الناضج لعناوين من شأنها أن تسهم في بناء عقله ويساعده في رسم ملامح المستقبل الذي يصبو إليه..
هدفنا الارتقاء إلى الفعل المؤثر والقادر على جسر الهوة بين الكاتب والجمهور المستهدف..
من باب الثقافة
• ما هي الإستراتيجيات التي تستخدمينها للترويج للكتب والروايات لدى الجمهور؟
باعتبارنا داراً غير ربحية، أو بالأحرى غير تجارية، دخلنا معترك النشر والطباعة من باب الفكر والثقافة، وحددنا أهدافنا ومعاييرنا منذ البداية، فاستطعنا أن نكسب ثقة المؤلف والقارئ في آن معاً، وأن نكون على دراية بمتطلبات سوق الكتاب. كانت إستراتيجيتنا واضحة وتقوم على استنهاض الوعي الوطني والقومي والإنساني وهذا ما طبع نتاجنا بالجدية والمصداقية، ومازلنا نعمل إلى اليوم على مشروعنا الذي بدأناه في ذروة الحرب على سورية بهدف التوثيق والتنوير وتصدير الحقيقة إلى الرأي العام ونشر ثقافة المقاومة ورموزها لدى جميع الشعوب التي تتطلع إلى الحرية على مستوى المنطقة والعالم دفاعاً عن النوع الإنساني، ضد قوى الظلم والاستكبار، ولدينا طموح لا ينتهي بترسيخ نجاحنا وتحقيق أهدافنا مهما كانت التحديات.
• كيف تنظرين إلى مستقبل القراءة والنشر في سورية؟
لا نستطيع أن نتحدث عن مستقبل القراءة والنشر في سورية، من دون العودة إلى تاريخ سورية القديم والمعاصر، فهنا ولدت أول أبجدية في العالم، ومن هذه الأرض انتقلت الرسالات السماوية تنشر قيم الخير والمحبة والجمال، فقدر سورية وهي في اللغة الآرامية (السيدة) أن تكون سيدة العالم التي تشع نوراً وثقافة وثراءً فكرياً وإنسانياً لا يضاهى، قدرها أن تكون وطناً لكلِّ من عاش فيها مهما كان منبته، ويكفيها فخراً أنها موئل العلم والعلماء، وتشهد على ذلك أوابدها ومكتباتها ومخطوطاتها التي أسهمت في بناء الحضارة الإنسانية عبر التاريخ، فلا خوف على مستقبل القراءة ولا خوف على العقول المبدعة، ولا خوف على مستقبل يستند إلى كنوز لا تنضب، من التراث الإنساني النبيل.
• ماذا تحملين في جعبتك من نصائح للنساء اللائي يرغبن في دخول مجال النشر أو الأدب؟
إن ما قدمته المرأة السورية خلال فترة الحرب، من صمود وشجاعة وقدرة على اجتراح الحلول في مواجهة التحديات، وما تقدمه المرأة الفلسطينية اليوم في غزة من عطاءات وصبر يفوق القدرة على التصور، يجعلها مصدر إلهام لجميع نساء العالم، فليس من نصائح سوى التماس القوة والعزيمة والصبر من نماذج حية للمرأة الحقة، وما أكثرها.
سيرياهوم ميوز 2_تشرين