| نبيه البرجي
بجراحة ديبلوماسية فذة، تمكّن شي جين بينغ من ارساء الاتفاق السعودي ـ الايراني. بعملية مماثلة، فلاديمير بوتين في الطريق الى ارساء الاتفاق السوري ـ التركي، لتكتمل صورة الشرق الأوسط، على أمل ألاّ يبقى على خط الزلازل، كما قال هيرودوت، ولا على خط الحرائق، كما قال هنري كيسنجر. لن يبقى على… خط المقابر!
أين أميركا بالصلاحيات الالهية في هذه الحال؟ ستيف بانون نقل عن دونالد ترامب قوله “لكي تظل مفاتيح الشرق الأوسط بيدنا، ينبغي دفع المنطقة أكثر فأكثر نحو الهذيان، بما في ذلك الهذيان الدموي“…
غالباً ما كانت هواية الرؤساء الأميركيين، كأنبياء للأزمنة الحديثة، الرقص فوق جثث الآخرين. هنا تساؤل ريجيس دوبريه “كيف يمكن أن يتعامل الأميركيون مع سكان المريخ اذا عثروا هناك على كائنات بشرية، لكأنها تشكلت بريشة سلفادور دالي لا بريشة… الله” .
جون بولتون الذي قال بلغته الفظة “ذلك العالم الذي تحت أقدامنا” يأخذ على جو بايدن “غباءه” لأنه لم يلاحظ أن بوتين وبينغ يعملان وبغفلة منه، لتحويل الوجود الأميركي في الشرق الأوسط الى مشكلة أميركية…
أين كانت العيون الأميركية التي طالما تباهى مايك بومبيو عندما كان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية ، بكونها ترصد حتى ما يجري في العالم الآخر، لتتابع ما يجري في دهاليز الشرق الأوسط؟
باتريسيا كيم، الباحثة في الشؤون الروسية والصينية في معهد هوبكينغز، لاحظت “مدى قصورنا في رصد الصفائح التكتونية في الشرق الأوسط، حتى ظننا أن وجودنا عبر الأساطيل أو عبر القواعد العسكرية، يعني وقف الانفجارات الجيولوجية في منطقة ولدت فيها الأديان كمؤشر على جنون الأزمنة وجنون السياسات هناك” !
في وقت متأخر (جداً) اكتشفت دول الاقليم، أن ما تقوم به ان في السياسات الأمبراطورية أو في السياسات القبلية، هو الصراع داخل الصراعات الكبرى، ولمصلحة هذه الصراعات الكبرى. الروس والصينيون تلقفوا “لحظة الارتطام بالحائط” لكي يخترقوا السور الأميركي.
هذا ما حصل دون أن يعني ذلك ازالة أميركا من المنطقة، كما يدعو آيات الله، ولكن ارباك مهمتها “المقدسة” في تكريس نظام القطب الواحد. ما يجري الآن نظام عالمي متعدد الأقطاب ينطلق من الشرق الأوسط…
البيت الأبيض أمام مشهد مختلف. كبار المعلقين يدعون الى اعادة النظر في صياغة السياسات. لكن الهزات الارتدادية في “اسرائيل” أخذت منحى هيستيرياً. لاحظنا ذلك في السيناريو الكاريكاتوري لتسخين الخط الأزرق.
كيف لشخص تسلل من الأراضي اللبنانية، وهو مزنر بحزام ناسف، أن يقطع مسافة 70 كيلومتراً في “العمق الاسرائيلي” ليزرع قنبلة عند مفترق يكاد يكون خالياً، ثم يعود الى الحدود ويُقتل بطريقة غامضة؟ هل بات الخيال “الاسرائيلي” رثاً الى هذا الحد؟ دراما على طريقة بعض، أو أغلب، المسلسلات اللبنانية.
بحسب علمنا أن “الاسرائيليين” أقاموا أبراجاً للمراقبة، وبمواصفات تقنية متطورة جداً، وباستطاعتها رصد حتى حركة القطط في المنطقة. كل هذا، ولم يلاحظ أحد كيف تسلل الرجل، وكاد يصل الى غرفة نوم بنيامين نتنياهو…
الهيستيريا. “اسرائيل” في عنق الزجاجة داخلياً وخارجياً. تلويح بضرب ايران، وقد يكون المقصود ضرب لبنان. هكذا يتم تضخيم حادثة القنبلة . تماماً كما حدث عشية الاجتياح عام 1982 بذريعة الاقتصاص من مطلقي النار على السفير في لندن شلومو آرغوف.
لكننا الآن لسنا أمام “أبو الهول“، و“أبو الزعيم“، و“أبو الجماجم” الذين أبدلوا ثقافة الثورة بثقافة الملاهي الليلية. تحذيرات من شخصيات يهودية عالمية، “اياكم ولعبة حافة الهاوية” لأن “اسرائيل” ستكون أمام “الهولوكوست الصاروخي“. للتو تراجعت “تل أبيب“، وبعدما وجهت اصابعها العشرة الى المقاومة في لبنان، لتقول اذاعة الجيش “يبدو أن منفذ العملية فلسطيني من مخيم للاجئين، ويحتمل أنه عنصر من حماس“.
ذاك اليمين المجنون لن يسمح له الجنرالات الذين يدركون ما التبعات الكارثية للحرب باستعادة “فانتازيا الانتحار الجماعي” (الماسادا). رؤوس نتياهو وبن غفير وسموتريتش لم تكن يوماً رؤوساً بشرية…
(سيرياهوم نيوز3-الديار)