عمر نشابة
محاولات بعض وسائل الإعلام المحلية والدولية تبرير وحشية آلة القتل والتدمير والإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية وانتقالها إلى جنوب لبنان، عبر التركيز على «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس» أو بالزعم أن حزب الله لا يطبق اتفاق وقف إطلاق النار، تتكامل مع تواطؤ الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبعض الدول العربية مع العدو الإسرائيلي.
وبما أن لبنان أصبح اليوم تحت حكم الوصاية الأميركية، فقد يطمئن بعض أصحاب وسائل الإعلام اللبنانية المرئية والمطبوعة والمسموعة والإلكترونية الذين انضموا إلى الشركات الإعلامية الغربية المتواطئة في نشر التضليل والدعاية الإسرائيلية وتبرير جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وإهانة الفلسطينيين واللبنانيين.
علماً أن المساعدة والتحريض الإعلاميين على ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يُعدان مشاركة في الجريمة بحسب القانون الجنائي الدولي، وبعيدين كل البعد عن ممارسة الحق في التعبير عن النفس.
ويمكن ملاحقة الإعلاميين الذين يتبين أنهم ضالعون في جرائم التحريض عبر ما نشروه أو بثّوه على شاشة التلفزيون او في المنشورات أو عبر الإذاعة أو وسائل التواصل الاجتماعي. وبسبب المشكلات التي يعاني منها القضاء في لبنان، ونظراً إلى عدم تحديث القوانين المتعلقة بالإعلام، يعود اختصاص الملاحقة للمحكمة الجنائية الدولية حتى لو لم تكن الدولة التي ينتمي إليها الإعلامي المحرّض موقّعة على نظام روما الأساسي.
يمكن، بحسب نظام المحكمة (نظام روما الأساسي المادة 13)، أن تحيل الدولة الموقعة على النظام أو مجلس الأمن الدولي، الموضوع إلى المدعي العام. لكن بما أن لبنان لم يوقع على نظام روما، وبما أن مجلس الأمن لن يتطرق إلى الموضوع، للمدعي العام الدولي كريم خان، بحسب (المادة 15)، أن «يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة».
المسؤولية الجنائية الفردية
يعود الأمر إلى ميثاق المحكمة العسكرية الدولية (1945) الذي فرض المسؤولية الجنائية على «المتواطئين المشاركين في صياغة أو تنفيذ خطة مشتركة أو مؤامرة لارتكاب» جريمة دولية.
وتشمل المسؤولية الجنائية الفردية، بموجب المادة 25 (3) (ج) من نظام روما الأساسي، «تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها». وبالتالي، تتكوّن جريمة المساعدة والتحريض من عنصرين: الفعل الإجرامي والنية الإجرامية.
تفسّر المحكمة الجنائية الدولية الفعل الإجرامي للمساعدة والتحريض على أنه تقديم المساعدة العملية أو المادية، وكذلك المعنوية أو النفسية، للجاني الرئيسي. فتبرير بعض وسائل الإعلام مثلاً قصف المستشفيات عبر الادعاء أن فيها مقرات لحركة حماس، أو تبرير قتل المسعفين في جنوب لبنان بالزعم أنهم ينتمون إلى حزب الله، وبث معلومات كاذبة عن وجود أسلحة تابعة للمقاومة في مراكز إيواء المدنيين، كلها تُعدّ تحريضاً ومساعدة للإسرائيلي على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أما إثبات النية والقصد الجنائي للمساعدة والتحريض فيتطلب إثبات معرفة الإعلاميين المشتبه بهم بالجرائم الجماعية. وتشير المادة 25(3)(د) من نظام روما إلى «المسؤولية عن القصد المشترك»، وجاء في نصها تجريم «المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك، في ارتكاب الجريمة أو الشروع في ارتكابها، على أن تكون هذه المساهمة عن عمد (1) بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة، إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطويان على ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة أو (2) مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة».
التواطؤ في الإبادة الجماعية أو التحريض، بموجب نظام روما، يتطلب فقط أن يسهم المتهم عن علم في ارتكاب الجريمة ولا يتطلّب إثبات القصد.
أربعة شروط لملاحقة الإعلاميين المحرضين
لا يمكن أن تلاحق المحكمة الجنائية الدولية المؤسسات والشركات الإعلامية كمجموعات لأنها مخصصة لمحاسبة الأفراد. لكن يمكن مقاضاة الإعلاميين الذين ثبت أنهم حرضوا وساعدوا في ارتكاب جرائم دولية. ولا بد من التشديد على أن نظام روما الأساسي يجرّم مرتكب الجرم وكل من ساعده أو حرضه على ارتكاب الجرم. وبحسب القانون الدولي، يفترض استيفاء أربعة عناصر حتى يكون الإعلامي مذنباً بالتحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية:
1 – التحريض المتعمد: ما إذا كان التحريض متعمداً – بعيداً من مسألة النية المحددة – يعتمد على ما إذا كان البيان نفسه متعمداً. وفقاً لذلك، يُعد التحريض متعمداً دائماً تقريباً، نظراً إلى أن المرء نادراً ما ينشر ورقياً أو عبر الإنترنت أو يبث إذاعياً أو تلفزيونياً عن طريق الخطأ.
2 – التحريض العلني: إثبات التحريض باعتباره علنياً يستند إلى الوسيلة الإعلامية. فوسائل التواصل الاجتماعي، مثلاً، هي بطبيعتها «وسيلة تكنولوجية للاتصال الجماهيري»، وتنطوي على نشر المعلومات على نطاق واسع للجمهور الخارجي، وبالتالي تعتبر علنية. والأمر نفسه ينطبق على التلفزيون والإذاعة والصحف.
3 – التحريض المباشر: التحريض على الإبادة الجماعية ليس بالضرورة دعوة صريحة للإبادة الجماعية. وفي حالة عدم كون التحريض صريحاً، تستعرض المحكمة السياق الثقافي لتحديد ما إذا كان الجمهور قد فهم بوضوح البيان على أنه دعوة للإبادة الجماعية. ولهذا الغرض، قد تشكل حملة دعائية منهجية لنزع الصفة الإنسانية عن مجموعة محمية تحريضاً مباشراً. وهو ما فعلته وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية والأوروبية وبعض وسائل الإعلام العربية واللبنانية.
أما بالنسبة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فهي تتيح التحريض المباشر. ومثل الصحف والبث الإذاعي، توفر وسائل التواصل الاجتماعي للمحرّضين منصة لنشر رسائلهم. وعلى النقيض من وسائل الإعلام التقليدية، تنشر وسائل الإعلام الإلكترونية عبر الإنترنت خوارزميات تميل إلى تضخيم المحتوى. وقد تسهم مثل هذه الخوارزميات في تفاقم التوترات الاجتماعية القائمة، وقد يؤدي هذا إلى نزع الصفة الإنسانية عن مجموعة من البشر. ولكن، حتى لو تجاهلت المحكمة دور الخوارزميات، فإن قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تداول التحريض تشبه إلى حد كبير وسائل الإعلام التقليدية.
4 – أن تكون لدى المدعى عليهم نية محددة للتسبب في الإبادة الجماعية: على المدعي العام أن يثبت أن المحرض المزعوم كانت لديه نية محددة للتسبب في الإبادة الجماعية. ويمكن استنتاج هذه النية من الظروف. فالمحتوى المنشور أو الطبيعة المنهجية للتحريض قد تشير أيضاً إلى نية محددة. لكن المحاكم الدولية مترددة في إيجاد نية محددة حيث يقوم الفرد فقط بنقل محتوى تم تطويره من قبل شخص آخر وبناءً على ذلك، فإن الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يقومون فقط بالترويج أو مشاركة محتوى تحريضي بشكل عفوي، وليس كجزء من حملة منظمة، من غير المرجح أن تكون لديهم نية محددة للتحريض.
المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان لم يعلن حتى اليوم انطلاق التحقيق في قضية تحريض ومساعدة الإسرائيليين على ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وقد يتأخر الأمر لأشهر كما تأخر لأكثر من 11 شهراً منذ بداية الإبادة الجماعية في غزة قبل إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يواف غالانت في 21 تشرين الثاني 2024.
أخبار سوريا الوطن١_الأخبار