أعطت الممالك الآرامية في سورية لهذه الأرض هوية فريدة طبعت كل الحضارات التي تلتها لما فيها من غنى وشمولية ولعل من أهم تلك الممالك مملكة (شمأل) التي نشأت في أقصى شمال غربي سورية.
ويخصص الباحث الدكتور عباس فرج كتابه الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب (شمأل مملكة آرامية سورية قديمة 1000-722 ق . م) للحديث عن هذه المملكة والتعريف بها وبإنجازاتها الحضارية ولا سيما أنها تكاد تكون غير معروفة لجمهور القراء.
ويبدأ فرج كتابه بتوضيح أن كلمة (شمأل) أطلقها حسب أرجح الآراء الأموريون وهم الشعوب التي سكنت حواضر بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام لأنها تقع في الجهة الشمالية بالنسبة لها مبينا أن موقعها الجغرافي أدى إلى ازدهار الحياة الاقتصادية فتفوقت في مجال الزراعة وتحديدا بزراعة القمح والشعير والزيتون كما اشتهرت بغزل النسيج بدليل افتخار أحد ملوك شمأل وهو (كيلامووا) بأنه كسا شعبه الحرير.
ويوضح الكتاب أن هذا النوع من المنسوجات الذي عرف في (شمأل) أطلق عليه اسم (بوصي) ولا يشير إلى مادة خام معينة وإنما إلى نوعية عالية الجودة وغالية الثمن حين كان النسيج يغزل ضمن مشاغل خاصة كما كشفت ذلك التنقيبات الأثرية فعثرت على أدوات ووسائل استخدمت لهذه المهنة منها سنانير وإبر برونزية ومغازل صغيرة مصنوعة من العظم ومكاكيك مغزلية مصنوعة من الحجر مستخدمة لغزل الألياف على مغزل خشبي.
واكتسب تصنيع الأثاث المطعم بالعاج في مملكة (شمأل) أهمية كبيرة نتيجة شغف طبقة الملوك وكبار الموظفين باقتنائها من الكراسي والطاولات والمقاعد والعروش حيث يلاحظ فرج أن تقاليد هذه الحرفة الموغلة في القدم لا تزال شائعة إلى يومنا هذا ونجدها في صناعة الصناديق الخشبية المرصعة بالعاج التي تستخدم لحفظ الملابس وغيرها.
وكما كان سائداً في ممالك الشرق القديم اعتبر الملك رأس الهرم وأخذ لنفسه طابعاً إلهياً إلى جانب الآلهة الكثيرة التي عبدها سكان (شمأل) من (هدد) وهو إله الطقس والعواصف والجو والرعود والبروق والخصب و(ايل) إله السماء والخصوبة وخالق الأرض وشمش أو شماش ويرمز إلى تجدد الحياة والعدالة.
ويشير فرج إلى أن مجتمع (شمأل) احتوى على عدد من الطبقات المتباينة من حيث الحقوق والواجبات فوجدت طبقتان الأولى طبقة الموشكابيم تشير إلى فئة عامة الشعب وطبقة البعرريم التي تمثل فئة الحكام والأغنياء.
ومن أهم ما يميز المملكة غناها بالأعمال الفنية وبالقصور المزينة بأجمل اللوحات المنقوشة وببواباتها المحاطة بمنحوتات عالية الدقة حيث اشتهرت (شمأل) بالعمارة والنحت ولا سيما تماثيل الأسود التي نحتت من قطع حجرية ضخمة كانت توضع أمام بوابات المدينة والقصور بهدف حراستها حسب اعتقادهم من الأرواح الشريرة والمعادية.
وتتميز المملكة أيضاً وفقاً لفرج بأنها ألفت مزيجاً من الثقافات الآرامية والفينيقية والآشورية وتجلت آثارها في عدة مجالات منها اللغة والمعبودات الإلهية والفنون بمختلف أنواعها كما بنيت وفق مخطط معماري في منطقة ذات طبيعة جغرافية محصنة وغلب عليه الطابع الدفاعي لكن ذلك لم يمنع من سقوط المملكة عندما اجتاحها الآشوريون وحولوها إلى مقاطعة خاضعة لحكمهم.
رشا محفوض
سيرياهوم نيوز 6 – سانا