توترت خطوط النار بين الإدارة الذاتية الكردية وحكومة دمشق، واشتعلت شرارة اشتباكات متقطعة ومتنقلة عند المحاور بعد حشد عسكري قامت به “قسد” والقوات الحكومية السورية، وارتفع منسوب القلق من توسّعها واستنساخ تجربة السويداء ولكن بشكل أعنف، خصوصاً في حال تعثّرت المفاوضات في باريس.
وفق ما يقول المنطق السياسي، تريد حكومة دمشق تحقيق اندماج الأكراد بالدولة السورية، وضم منطقة شمال شرق سوريا إلى الدولة المركزية، كونها منطقة غنية بالنفط الذي سيلعب دوراً اقتصادياً محورياً في نهوض سوريا وإعادة إعمارها، وبالتالي من المفترض أنها تؤيّد المسار التفاوضي وترغب بإنجاحه، لكن جمود المفاوضات أو عرقلتها قد يدفع نحو عملية عسكرية لتغيير شروط التفاوض.
المفاوضات في حالة مراوحة ولم تتقدّم في الآونة الأخيرة، وثمّة تقارير تقول إن الحكومة السورية لن تشارك في مباحثات فرنسا مع “قسد” بعد مؤتمر الحسكة للأقليات، لكن الصحافي السوري روج موسى ينقل عن مصدر في الخارجية الفرنسية معلومات مفادها أن دمشق “ستشارك” في لقاء باريس.

يتحدّث موسى لـ”النهار” عن المباحثات بين “قسد” والحكومة السورية، ويشير إلى أنها مستمرة ولكن “ليس بالزخم نفسه” الذي بدأت فيه، وهي “شبه جامدة” وتنتظر لقاء باريس، الذي سيحضره الأميركيون والبريطانيون والألمان. ووفق تقديره، فإن الأكراد مستعدون للاندماج بالدولة والجيش، مقابل لامركزية، والطرفان منفتحان على الاتفاق.
الحشد العسكري الحالي قد يكون في خانة تحسين شروط التفاوض، لكن انسداد أفق المباحثات قد ينعكس اشتباكاً واسعاً، في سيناريو مشابه نسبياً لما حصل في السويداء، واتجاه الحكومة السورية نحو التدخّل بقوّة السلاح للسيطرة على المنطقة. لكن مشهدية شمال شرق سوريا مختلفة عن صورة الجنوب، كون القوات الكردية مدرّبة ومجهّزة بعتاد متطور، وهي جزء من التحالف الدولي.
موسى يتحدّث عن الواقع العسكري واحتمالات اندماج “قسد” بالدولة، ويقول إن الأكراد “يحتاجون ضمانات خارجية” لتسليم السلاح والاندماج، كون الضمانات الداخلية “لم تعد كافية”، والمخاوف تفاقمت بعد أحداث السويداء، وبعد حملات “التحريض والتجييش” ضد الأكراد. وتعثّر المفاوضات واتجاه الحكومة نحو الخيارات العسكرية سيزيدان المشهد تعقيداً.
الموازين العسكرية بين الأكراد ودمشق ضبابية، كون عوامل عديدة تؤدي أدواراً في ضبطها. فالأكراد مدربون من قبل قوات التحالف الدولي ومجهزون بسلاح متطور، وفق موسى، لكن الحكومة السورية تتمتع بعديد عناصرها والعشائر، وبسلاح وزارة الدفاع، مع ضرورة الإشارة إلى أن مصدراً في وزارة الدفاع التركية قال إن بلاده ستزوّد سوريا بأنظمة أسلحة وأدوات لوجستية.
بالقراءة السياسية لأي عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، فإن موسى يرى أن هجوم الحكومة “سيضرب” عمليات “بناء الثقة” التي بنيت بين الطرفين في الآونة الأخيرة خصوصاً بعد اتفاق 10 آذار/مارس، وسيعيد الوضع بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية إلى “الصفر”، والاشتباك لن يكون مماثلاً لما حصل في السويداء، بل سيكون أعنف وأكثر دموية نسبةً للقدرات العسكرية المتطورة.
في المحصلة، فإن الأنظار شاخصة إلى شمال شرق سوريا وأفق العلاقة بين الحكومة و”قسد”، والتي تقف على مفترق طرق قبل مباحثات باريس. إما الانفجار الذي قد يتخذ مسارات دراماتيكية ويبدّل المشهد في سوريا بأكلمه، وإما الاتفاق وهو أغلب الظن الخيار المرجّح كونه يفي غرض الطرفين، النفط مقابل اللامركزية ونوع من الحكم الذاتي.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية